كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ مِنْ الْفِقْه وُجُوب الْحُكْم بِالظَّاهِرِ ، وَأَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُحِلّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّم حَلَالًا ، وَأَنَّهُ مَتَى أَخْطَأَ فِي حُكْمه فَقَضَى كَانَ ذَلِكَ فِي الظَّاهِر ، فَأَمَّا فِي الْبَاطِن وَفِي حُكْم الْآخِرَة فَإِنَّهُ غَيْر مَاضٍ اِنْتَهَى . قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم : فِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِير عُلَمَاء الْإِسْلَام وَفُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُحِلّ الْبَاطِنَ وَلَا يُحِلّ حَرَامًا فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِم لَمْ يَحِلّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلّ لِلْوَلِيِّ قَتْله مَعَ عِلْمه بِكَذِبِهِمَا وَلَا أَخْذ الدِّيَة مِنْهُ ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته لَمْ يَحِلّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجهَا بَعْدَ حُكْم الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُحِلّ حُكْم الْحَاكِم الْفُرُوجَ دُونَ الْأَمْوَال ، فَقَدْ يُحِلّ نِكَاحَ الْمَذْكُورَة ، وَهَذَا مُخَالِف لِلْحَدِيثِ الصَّحِيح وَالْإِجْمَاع مِنْ قَبْله اِنْتَهَى .
وَقَالَ فِي مَعَالِم السُّنَن : قَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا اِدَّعَتْ الْمَرْأَة عَلَى زَوْجهَا الطَّلَاقَ وَشَهِدَ لَهَا شَاهِدَانِ بِهِ ، فَقَضَى الْحَاكِم بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنهمَا ، وَقَعَتْ الْفُرْقَة فِيمَا بَيْنهمَا وَبَيْن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَجَازَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحهَا ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابه فِي ذَلِكَ اِنْتَهَى .
وَقَالَ فِي السُّبُل : وَالْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يَحِلّ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ عَلَى غَيْره إِذَا كَانَ مَا اِدَّعَاهُ بَاطِلًا فِي نَفْس الْأَمْر ، وَمَا أَقَامَهُ مِنْ الشَّهَادَة الْكَاذِبَة ، وَأَمَّا الْحَاكِم فَيَجُوز لَهُ الْحُكْم بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَالْإِلْزَام بِهِ ، وَتَخْلِيص الْمَحْكُوم عَلَيْهِ لِمَا حُكِمَ بِهِ لَوْ اِمْتَنَعَ وَيَنْفُذ حُكْمه ظَاهِرًا ، وَلَكِنَّهُ لَا يَحِلّ بِهِ الْحَرَام إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُبْطِلًا وَشَهَادَته كَاذِبَةً . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُور ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَة فَقَالَ : إِنَّهُ يَنْفُد ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَإِنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِم بِشَهَادَةِ زُور أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَة زَوْجَة فُلَان حَلَّتْ لَهُ ، وَاسْتَدَلَّ بِآثَارٍ لَا يَقُوم بِهَا دَلِيل وَبِقِيَاسٍ @

الصفحة 443