كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

وَقَوْله ثُمَّ اِسْتَهِمَا ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ اِقْتَرِعَا ، زَادَ فِي النِّهَايَة يَعْنِي لِيَظْهَرَ سَهْم كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا اِنْتَهَى .
( ثُمَّ تَحَالَّا )
: بِتَشْدِيدِ اللَّام أَيْ لِيَجْعَلْ كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا صَاحِبه فِي حِلٍّ مِنْ قِبَله بِإِبْرَاءِ ذِمَّته . وَلَفْظ الْمِشْكَاة " ثُمَّ لِيُحْلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ " .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الصُّلْح لَا يَصِحّ إِلَّا فِي الشَّيْء الْمَعْلُوم ، وَلِذَلِكَ أَمَرَهُمَا بِالتَّوَخِّي فِي مِقْدَار الْحَقّ ، ثُمَّ لَمْ يَقْنَع عَلَيْهِ السَّلَام بِالتَّوَخِّي حَتَّى ضَمَّ إِلَيْهِ الْقُرْعَة ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّوَخِّيَ إِنَّمَا هُوَ أَكْثَرُ الرَّأْي وَغَالِب الظَّنّ ، وَالْقُرْعَة نَوْع مِنْ الْبَيِّنَة ، فَهِيَ أَقْوَى مِنْ التَّوَخِّي ، ثُمَّ أَمَرَهُمَا عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَ اِفْتِرَاقهمَا عَنْ تَعَيُّن بَرَاءَةٍ وَطِيب نَفْس وَرِضًى ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّحْلِيل إِنَّمَا يَصِحّ فِيمَا كَانَ مَعْلُوم الْمِقْدَار غَيْر مَجْهُول الْكَمِّيَّة . وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ ذِكْر الْقِسْمَة وَالتَّحْلِيل ، وَالْقِسْمَة لَا تَكُون إِلَّا فِي الْأَعْيَان ، وَالتَّحْلِيل لَا يَصِحّ إِلَّا فِيمَا يَقَع فِي الذِّمَم دُون الْأَعْيَان ، فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَف مَعْنَى التَّحْلِيل إِلَى مَا كَانَ مِنْ خَرَاج وَغَلَّة حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْعَيْن الَّتِي وَقَعَتْ فِيهِ الْقِسْمَة اِنْتَهَى .
وَقَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاة : إِنَّ هَذَا مِنْ طَرِيق الْوَرَع وَالتَّقْوَى لَا مِنْ بَاب الْحُكُومَة وَالْفَتْوَى ، وَإِنَّ الْبَرَاءَة الْمَجْهُولَة عِنْد الْحَنَفِيَّة تَصِحّ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى سُلُوك سَبِيل الِاحْتِيَاط وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ .
( وَأَشْيَاء قَدْ دَرَسَتْ )
: فِي الْقَامُوس : دَرَسَ الرَّسْم دُرُوسًا عَفَا ، وَدَرَسَتْهُ @

الصفحة 445