كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

قُرِئَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُول وَالْمَعْرُوف ( عَلَيْهِمْ ) : الْوَصِيَّة وَهُمْ الْوَرَثَةُ . قَالَ أَبُو الْبَقَاء : وَمِنْ الَّذِينَ صِفَة أُخْرَى لِآخَرَانِ ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ ضَمِير الْفَاعِل فِي يَقُومَانِ اِنْتَهَى . وَيُبْدَل مِنْ آخَرَانِ ( الْأَوْلَيَانِ ) : هُوَ عَلَى الْقِرَاءَة الْأُولَى مَرْفُوع ، كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ هُمَا فَقِيلَ هُمَا الْأَوْلَيَانِ ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوْلَى مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ الْإِثْمَ أَيْ جَنَى عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْل الْمَيِّت وَعَشِيرَته فَإِنَّهُمْ أَحَقّ بِالشَّهَادَةِ أَوْ الْيَمِين مِنْ غَيْرهمْ ، فَالْأَوْلَيَانِ تَثْنِيَة أَوْلَى بِمَعْنَى الْأَحَقّ وَالْأَقْرَب إِلَى الْمَيِّت نَسَبًا . وَفِي حَاشِيَة الْبَيْضَاوِيّ : فَقَوْله { مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ } قِرَاءَة الْجُمْهُور بِضَمِّ التَّاء عَلَى بِنَاء الْمَجْهُول وَالْمَعْنَى مِنْ الْوَرَثَة الَّذِينَ جَنَى عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَمَّا جَنَيَا وَاسْتَحَقَّا إِثْمًا بِسَبَبِ جِنَايَتهمَا عَلَى الْوَرَثَة كَانَتْ الْوَرَثَة مَجْنِيًّا عَلَيْهِمْ مُتَضَرِّرِينَ بِجِنَايَةِ الْأَوَّلَيْنِ اِنْتَهَى . وَالْمَعْنَى عَلَى الْقِرَاءَة الثَّانِيَة مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ مِنْ بَيْنهمْ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يُجَرِّدُوهُمَا لِلْقِيَامِ بِالشَّهَادَةِ وَيُظْهِرُوا بِهِمَا كَذِب الْكَاذِبِينَ لِكَوْنِهِمَا الْأَقْرَبَيْنِ إِلَى الْمَيِّت ، فَالْأَوْلَيَانِ فَاعِل اِسْتَحَقَّ وَمَفْعُوله أَنْ يُجَرِّدُوهُمَا لِلْقِيَامِ بِالشَّهَادَةِ ، وَقِيلَ الْمَفْعُول مَحْذُوف وَالتَّقْدِير مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ وَصِيَّته الَّتِي أَوْصَى بِهَا . وَفِي الْخَازِن : وَالْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَة الْمَجْهُول أَيْ إِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَة الْحَالِفَيْنِ وَبَانَ كَذِبهمَا يَقُوم اِثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ الَّذِينَ جُنِيَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْل الْمَيِّت وَعَشِيرَته ( فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ ) : أَيْ فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ ( لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا ) : يَعْنِي أَيْمَاننَا أَحَقّ وَأَصْدَق مِنْ أَيْمَانهمَا ( وَمَا اِعْتَدَيْنَا ) : يَعْنِي فِي أَيْمَاننَا وَقَوْلنَا إِنَّ شَهَادَتنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتهمَا { إِنَّا إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ } : وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَامَ عَمْرو بْن الْعَاصِ وَالْمُطَّلِب بْن أَبِي وَدَاعَة السَّهْمِيَّانِ وَهُمَا مِنْ أَهْل الْمَيِّت وَحَلَفَا بِاَللَّهِ بَعْد الْعَصْر وَدُفِعَ الْإِنَاء إِلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا رُدَّتْ الْيَمِين عَلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ اِدَّعَيَا أَنَّ الْمَيِّت بَاعَهُمْ الْإِنَاء وَأَنْكَرَ وَرَثَة الْمَيِّت ذَلِكَ ، وَمِثْل هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَال الْمَيِّت وَقَالَ إِنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَرَثَة رُدَّتْ الْيَمِين عَلَيْهِ@

الصفحة 478