كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

وَالْمَعْنَى أَيّ كَوْن كَانَ الِاسْتِهَام الْمَذْكُور أَيْ سَوَاء أَحَبَّا ذَلِكَ الِاسْتِهَام أَوْ كَرِهَاهُ . وَالْحَاصِل أَنَّهُمَا يَسْتَهِمَانِ عَلَى الْيَمِين لَا مَحَالَة وَعَلَى كُلّ تَقْدِير سَوَاء كَانَ الِاسْتِهَام الْمَذْكُور مَحْبُوبًا لَهُمَا أَوْ مَكْرُوهًا لَهُمَا وَمَا فِي بَعْض النُّسَخ مَا كَانَا بِصِيغَةِ التَّثْنِيَة فَهُوَ أَيْضًا صَحِيح ، وَضَمِير التَّثْنِيَة يَرْجِع إِلَى الرَّجُلَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ ، وَالتَّقْدِير أَيّ كَوْن كَانَ الْمُدَّعِيَانِ الْمَذْكُورَانِ أَيْ سَوَاء أَحَبَّا ذَلِكَ الِاسْتِهَام أَوْ كَرِهَاهُ وَاَللَّه أَعْلَمُ اِنْتَهَى
( أَحَبَّا ذَلِكَ أَوْ كَرِهَا )
: أَيْ مُخْتَارَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا أَوْ كَارِهَيْنِ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى الِاسْتِهَام هَا هُنَا الِاقْتِرَاع ، يُرِيد أَنَّهُمَا يَقْتَرِعَانِ فَأَيّهمَا خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَة حُلِّفَ وَأَخَذَ مَا اِدَّعَاهُ وَرُوِيَ مَا يُشْبِه هَذَا عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ حَنَش بْن الْمُعْتَمِر أُتِيَ عَلِيٌّ بِبَغْلٍ وُجِدَ فِي السُّوق يُبَاع فَقَالَ رَجُل هَذَا بَغْلِي لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَب وَنَزَعَ عَلِيّ مَا قَالَ بِخَمْسَةٍ يَشْهَدُونَ ، قَالَ وَجَاءَ رَجُل آخَر يَدَّعِيه يَزْعُم أَنَّهُ بَغْله وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ ، فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّ فِيهِ قَضَاء وَصُلْحًا وَسَوْفَ أُبَيِّن لَكُمْ ذَلِكَ كُلّه ، أَمَّا صُلْحه أَنْ يُبَاع الْبَغْل فَيُقْسَم ثَمَنه عَلَى سَبْعَة أَسْهُم لِهَذَا خَمْسَة وَلِهَذَا سَهْمَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحُوا إِلَّا الْقَضَاء فَإِنَّهُ يَحْلِف أَحَد الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ بَغْله مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ ، فَإِنْ تَشَاحَحْتُمَا فَأَيّكُمَا يَحْلِف أَقْرَعْت بَيْنكُمَا عَلَى الْحَلِف فَأَيّكُمَا قُرِعَ حَلَفَ ، قَالَ فَقَضَى بِهَذَا وَأَنَا شَاهِد اِنْتَهَى .
قَالَ الْكَرْمَانِيّ : وَإِنَّمَا يُفْعَل الِاسْتِهَام وَالِاقْتِرَاع إِذَا تَسَاوَتْ دَرَجَاتهمْ فِي أَسْبَاب الِاسْتِحْقَاق مِثْل أَنْ يَكُون الشَّيْء فِي يَد اِثْنَيْنِ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَدَّعِي كُلّه فَيُرِيد أَحَدهمَا أَنْ يَحْلِف وَيَسْتَحِقّ ، وَيُرِيد الْآخَر مِثْل ذَلِكَ ، فَيُقْرَع بَيْنهمَا ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّهُ اِنْتَهَى .
قَالَ فِي شَرْح الْمِشْكَاة : صُورَة الْمَسْأَلَة أَنَّ رَجُلَيْنِ إِذَا تَدَاعَيَا فِي يَد ثَالِث وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَة ، أَوْ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة وَقَالَ الثَّالِث لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ لَكُمَا أَوْ لِغَيْرِكُمَا فَحُكْمهمَا أَنْ يُقْرَع بَيْن الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَأَيّهمَا خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَة @

الصفحة 499