كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

عليه و سلم لعن النساء على الزيارة واللعن على الفعل من أدل الدلائل على تحريمه ولا سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج وهذا غير منسوخ بل لعن في مرض موته من فعله كما تقدم
قالوا وقوله صلى الله عليه و سلم كنت نهيتكم إنما هو صيغة خطاب للذكور والإناث وإن دخلن فيه تغليبا
فهذا حيث لا يكون دليل صريح يقتضي عدم دخولهن وأحاديث التحريم من أظهر القرائن على عدم دخولهن في خطاب الذكور
قالوا وأما قولكم إن النهي إنما كان للنساء خاصة فغير صحيح لأن قوله كنت نهيتكم خطاب للذكور أصلا ووضعا فلا بد وأن يتناولهم وحدهم ولو كان النهي إنما كان للنساء خاصة لقالكنت نهيتكن ولم يقل نهيتكم بل كان في أول الإسلام قد نهى عن زيارة القبور صيانة لجانب التوحيد وقطعا للتعلق بالأموات وسدا لذريعة الشرك التي أصلها تعظيم القبور وعبادتها كما قال ابن عباس فلما تمكن التوحيد من قلوبهم واضمحل الشرك واستقر الدين أذن في زيارة يحصل بها مزيد الإيمان وتذكير ما خلق العبد له من دار البقاء فأذن حينئذ فيها فكان نهيه عنها للمصلحة وإذنه فيها للمصلحة
وأما النساء
فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء الأموات والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل يسيرة تحصل لهن بالزيارة والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة
وقد روى البيهقي وغيره من حديث محمد بن الحنفية عن علي أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج في جنازة فرأى نسوة جلوسا فقال ما يجلسكن فقلن الجنازة فقال أتحملن فيمن يحمل قلن لاقال فتدلين فيمن يدلي قلن لا قال فتغسلن

الصفحة 60