كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

هَذِهِ الْيَمِين الْمَقْصُود بِهَا الْحِنْث وَالْعِصْيَان وَالْعُقُوبَة وَالْإِثْم وَلَمْ يَذْكُر فِيهَا كَفَّارَة وَلَوْ كَانَتْ لَذُكِرَتْ كَمَا ذُكِرَتْ فِي الْيَمِين الْمَعْقُودَة ، فَقَالَ " فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينه وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْر " وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا نَعْلَم سُنَّة تَدُلّ عَلَى قَوْل مَنْ أَوْجَبَ فِيهَا الْكَفَّارَة بَلْ هِيَ دَالَّة عَلَى قَوْل مَنْ لَمْ يُوجِبهَا .
قُلْت : هَذَا كُلّه عَلَى الشَّافِعِيَّة اِنْتَهَى .
وَقَالَ فِي النِّهَايَة : الْيَمِين الْغَمُوس هِيَ الْيَمِين الْكَاذِبَة الْفَاجِرَة كَاَلَّتِي يَقْتَطِع بِهَا الْحَالِف مَال غَيْره ، سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِس صَاحِبهَا فِي الْإِثْم ثُمَّ فِي النَّار وَفَعُول لِلْمُبَالَغَةِ اِنْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْفَتْح : وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق مِنْ طَرِيق اِبْن شَاهِين بِسَنَدِهِ إِلَى خَالِد بْن مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَة يَمِين صَبْر يَقْتَطِع بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقّ " وَظَاهِر سَنَده الصِّحَّة لَكِنَّهُ مَعْلُول لِأَنَّ فِيهِ عَنْعَنَة بَقِيَّة فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ هَذَا الْوَجْه فَقَالَ فِي هَذَا السَّنَد عَنْ الْمُتَوَكِّل ، أَوْ أَبِي الْمُتَوَكِّل فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ النَّاجِي الثِّقَة بَلْ آخَر مَجْهُول . وَأَيْضًا فَالْمَتْن مُخْتَصَر وَلَفْظه عِنْد أَحْمَد " مَنْ لَقِيَ اللَّه لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة " الْحَدِيث وَفِيهِ " وَخَمْس لَيْسَ لَهَا كَفَّارَة الشِّرْك بِاَللَّهِ " وَذَكَرَ فِي آخِرهَا " وَيَمِين صَابِرَة يَقْتَطِع بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقّ " وَنَقَلَ مُحَمَّد بْن نَصْر فِي اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء ثُمَّ اِبْن الْمُنْذِر ثُمَّ اِبْن عَبْد الْبَرّ اِتِّفَاق الصَّحَابَة عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَة فِي الْيَمِين الْغَمُوس . وَرَوَى آدَم بْنُ أَبِي إِيَاس فِي مُسْنَد شُعْبَة وَإِسْمَاعِيل الْقَاضِي فِي الْأَحْكَام عَنْ اِبْن مَسْعُود " كُنَّا نَعُدّ الذَّنْب الَّذِي لَا كَفَّارَة لَهُ الْيَمِين الْغَمُوس أَنْ يَحْلِف الرَّجُل عَلَى مَال أَخِيهِ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعهُ " قَالَ وَلَا مُخَالِف لَهُ مِنْ الصَّحَابَة . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا أَعْظَم مِنْ أَنْ تُكَفَّر وَقَالَ الشَّافِعِيّ بِالْكَفَّارَةِ ، وَمِنْ حُجَّته قَوْله فِي الْحَدِيث فِي أَوَّل كِتَاب الْأَيْمَان " فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْر وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينه " @

الصفحة 68