كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

( فَلْيَقُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه )
: إِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَاطَى صُورَة تَعْظِيم الْأَصْنَام حِين حَلَفَ بِهَا وَأَنَّ كَفَّارَته هُوَ هَذَا الْقَوْل لَا غَيْر قَالَهُ الْعَيْنِيّ . وَقَالَ الْقَارِي : لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدهمَا أَنْ يَجْرِي عَلَى لِسَانه سَهْوًا جَرْيًا عَلَى الْمُعْتَاد السَّابِق لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَجَدِّد فَلْيَقُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَيْ فَلْيَتُبْ كَفَّارَة لِتِلْكَ الْكَلِمَات فَإِنَّ الْحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات ، فَهَذَا تَوْبَة مِنْ الْغَفْلَة ، وَثَانِيهمَا أَنْ يَقْصِد تَعْظِيم اللَّات وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه تَجْدِيدًا لِإِيمَانِهِ ، فَهَذَا تَوْبَة مِنْ الْمَعْصِيَة اِنْتَهَى .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَالِف بِاللَّاتِ لَا يَلْزَمهُ كَفَّارَة الْيَمِين وَإِنَّمَا يَلْزَمهُ الْإِنَابَة وَالِاسْتِغْفَار ، وَفِي مَعْنَاهُ إِذَا قَالَ أَنَا يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ أَوْ بَرِيء مِنْ الْإِسْلَام إِنْ فَعَلْت كَذَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّق بِشَيْءٍ ، وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عُبَيْد ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَصْحَاب الرَّأْي : إِنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيّ إِنْ فَعَلْت كَذَا فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيُّ ، وَقَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ نَحْو مِنْ ذَلِكَ
( تَعَالَ )
: بِفَتْحِ اللَّام أَمْر مِنْ تَعَالَى أَيْ اِئْتِ
( أُقَامِرك )
: بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَاب الْأَمْر أَفْعَل الْقِمَار مَعَك
( فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ )
: مِنْ مَاله كَفَّارَة لِمَقَالِهِ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِقَدْرِ جَعْله حَظًّا فِي الْقِمَار اِنْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيّ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ تَكْفِيرًا لِلْخَطِيئَةِ فِي كَلَامه بِهَذِهِ الْمَعْصِيَة ، وَالْأَمْر بِالصَّدَقَةِ مَحْمُول عِنْد الْفُقَهَاء عَلَى النَّدْب اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِي حَدِيث أَحَد مِنْهُمْ بِشَيْءٍ سِوَى مُسْلِم وَحْده .@

الصفحة 73