كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 10)
وَتَمِيم الدَّارِيّ وَصَاحِبه عَدِيّ بْن بَدَّاء إِنَّمَا كَانَا وَصِيَّيْنِ لَا شَاهِدَيْنِ وَالشُّهُود لَا يُحَلَّفُونَ ، وَقَدْ حَلَّفَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالشَّهَادَةِ عَنْ الْأَمَانَة الَّتِي تَحَمَّلَاهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ } أَيْ أَمَانَة اللَّه وَقَالُوا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى { وَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أَيْ مِنْ غَيْر قَبِيلَتكُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَالِب فِي الْوَصِيَّة أَنَّ الْمُوصِي شَهِدَ أَقْرِبَاؤُهُ وَعَشِيرَته دُون الْأَجَانِب وَالْأَبَاعِد . وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة ، وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ وَاَللَّه أَعْلَمُ اِنْتَهَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنِكُمْ } أَيْ لِيَشْهَدْ مَا بَيْنَكُمْ ، لِأَنَّ الشَّهَادَة إِنَّمَا يُحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد وُقُوع التَّنَازُع وَالتَّشَاجُر .
وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَة فَقِيلَ هِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْوَصِيَّة وَقِيلَ بِمَعْنَى الْحُضُور لِلْوَصِيَّةِ . وَقَالَ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيُّ هِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْيَمِين أَيْ يَمِين مَا بَيْنكُمْ أَنْ يَحْلِف اِثْنَانِ ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الْقَفَّال ، وَضَعَّفَ ذَلِكَ اِبْن عَطِيَّة وَاخْتَارَ أَنَّهَا هُنَا هِيَ الشَّهَادَة الَّتِي تُؤَدَّى مِنْ الشُّهُود أَيْ الْإِخْبَار بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْر .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَرَدَ لَفْظ الشَّهَادَة فِي الْقُرْآن عَلَى أَنْوَاع مُخْتَلِفَة بِمَعْنَى الْحُضُور ، قَالَ اللَّه تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } وَبِمَعْنَى قَضَى ، قَالَ تَعَالَى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } وَبِمَعْنَى أَقَرَّ ، قَالَ تَعَالَى { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } وَبِمَعْنَى حَلَفَ ، قَالَ تَعَالَى { فَشَهَادَة أَحَدِهِمْ أَرْبَع شَهَادَاتٍ } وَبِمَعْنَى وَصَّى ، قَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنِكُمْ } اِنْتَهَى . وَقَالَ الْخَطِيبُ وَالْخَازِن : وَهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَمَا بَعْدهَا مِنْ أَشْكَلِ آيِ الْقُرْآن وَأَصْعَبِهَا حُكْمًا وَإِعْرَابًا وَتَفْسِيرًا وَنَظْمًا اِنْتَهَى .@
الصفحة 17
525