كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 10)

وَفِي حَاشِيَة الْجَمَل عَلَى الْجَلَالَيْنِ : هَذِهِ الْآيَة وَاللَّتَانِ بَعْدهَا مِنْ أَشْكَلِ الْقُرْآن حُكْمًا وَإِعْرَابًا وَتَفْسِيرًا ، وَلَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاء يَسْتَشْكِلُونَهَا وَيَكُفُّونَ عَنْهَا حَتَّى قَالَ مَكِّيّ بْن أَبِي طَالِب فِي كِتَابه الْكَشْف : هَذِهِ الْآيَات فِي قِرَاءَتهَا وَإِعْرَابهَا وَتَفْسِيرهَا وَمَعَانِيهَا وَأَحْكَامهَا مِنْ أَصْعَبِ آيِ الْقُرْآن وَأَشْكَلِهِ . وَقَالَ السَّخَاوِيّ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاء تَخَلَّصَ كَلَامه فِيهَا مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرهَا اِنْتَهَى .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَا ذَكَرَهُ مَكِّيّ ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس قَبْله أَيْضًا وَقَالَ التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَته عَلَى الْكَشَّاف : وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا أَصْعَبُ مَا فِي الْقُرْآن إِعْرَابًا وَنَظْمًا وَحُكْمًا وَاَللَّه أَعْلَمُ .
( إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ )
: ظَرْف لِلشَّهَادَةِ وَحُضُوره ظُهُور أَمَارَته يَعْنِي إِذَا قَارَبَ وَقْت حُضُور الْمَوْت
( الْآيَة )
: وَتَمَام الْآيَة مَعَ تَفْسِيرهَا هَكَذَا ( حِين الْوَصِيَّة ) : بَدَل مِنْ الظَّرْف ، وَفِيهِ دَلِيل أَنَّ الْوَصِيَّة مِمَّا لَا يَنْبَغِي التَّسَاهُل فِيهَا ( اِثْنَانِ ) : خَبَر شَهَادَة أَيْ شَهَادَة بَيْنكُمْ شَهَادَة اِثْنَيْنِ . قَالَ الْخَازِن : لَفْظه خَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمْر يَعْنِي لِيَشْهَد اِثْنَانِ مِنْكُمْ عِنْد حُضُور الْمَوْت وَأَرَدْتُمْ الْوَصِيَّة ( ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) : مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَقِيلَ مِنْ أَقَارِبكُمْ ، وَهُمَا أَيْ ذَوَا عَدْل وَمِنْكُمْ صِفَتَانِ لِاثْنَانِ يَعْنِي مِنْ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ .
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ ، فَقِيلَ هُمَا الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّة الْمُوصِي ، وَقِيلَ هُمَا الْوَصِيَّانِ لِأَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِمَا ، وَلِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ وَالشَّاهِد لَا يَلْزَمهُ يَمِين ، وَجَعَلَ الْوَصِيّ اِثْنَيْنِ تَأْكِيدًا ، فَعَلَى هَذَا تَكُون الشَّهَادَة بِمَعْنَى الْحُضُور كَقَوْلِك شَهِدْت وَصِيَّةَ فُلَان بِمَعْنَى حَضَرْت ( أَوْ آخَرَانِ ) : عَطْف عَلَى اِثْنَانِ ( مِنْ غَيْرِكُمْ ) : يَعْنِي مِنْ غَيْر دِينكُمْ ، فَالضَّمِير فِي مِنْكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ غَيْركُمْ الْكُفَّار وَهُوَ الْأَنْسَب بِسِيَاقِ الْآيَة ، وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَابْن جُبَيْر وَالنَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيّ وَابْن @

الصفحة 18