كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 10)
سِيرِينَ وَيَحْيَى بْن يَعْمُر وَأَبِي مِجْلَز وَعُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ وَمُجَاهِد وَقَتَادَة ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَأَحْمَد بْن حَنْبَل قَالُوا إِذَا لَمْ يَجِد مُسْلِمَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّته وَهُوَ فِي أَرْض غُرْبَة فَلْيُشْهِدْ كَافِرَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مِنْ أَيّ دِين كَانَا ، لِأَنَّ هَذَا مَوْضِع ضَرُورَة . قَالَ شُرَيْح : مَنْ كَانَ بِأَرْضِ غُرْبَة لَمْ يَجِد مُسْلِمًا يَشْهَد وَصِيَّته فَلْيُشْهِدْ كَافِرَيْنِ عَلَى أَيّ دِين كَانَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَوْ مِنْ عَبَدَة الْأَصْنَام فَشَهَادَتهمْ جَائِزَة فِي هَذَا الْمَوْضِع ، وَلَا تَجُوز شَهَادَة كَافِر عَلَى مُسْلِم بِحَالٍ إِلَّا عَلَى وَصِيَّته فِي سَفَر لَا يَجِد فِيهِ مُسْلِمًا .
وَقَالَ قَوْم فِي قَوْله { ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } يَعْنِي مِنْ عَشِيرَتكُمْ وَحَيّكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ مِنْ غَيْر عَشِيرَتكُمْ وَحَيّكُمْ وَأَنَّ الْآيَة كُلّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ ، هَذَا قَوْل الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ وَعِكْرِمَة وَقَالُوا لَا تَجُوز شَهَادَة كَافِر فِي شَيْء مِنْ الْأَحْكَام وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبِي حَنِيفَة ، غَيْر أَنَّ أَبَا حَنِيفَة أَجَازَ شَهَادَة أَهْل الذِّمَّة فِيمَا بَيْنهمْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة مُحْكَمَة بِأَنَّ سُورَة الْمَائِدَة مِنْ آخِر الْقُرْآن نُزُولًا وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخ .
وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ شَهَادَة غَيْر الْمُسْلِم فِي هَذَا الْمَوْضِع بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّل الْآيَة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فَعَمَّ بِهَذَا الْخِطَاب جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ بَعْده { ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ ، وَلِأَنَّ الْآيَة دَالَّة عَلَى وُجُوب الْحَلِف عَلَى هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِد الْمُسْلِم لَا يَجِب عَلَيْهِ يَمِين ، وَلِأَنَّ الْمَيِّت إِذَا كَانَ فِي أَرْض غُرْبَة وَلَمْ يَجِد مُسْلِمًا يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته ضَاعَ مَاله وَرُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُون أَوْ عِنْده وَدِيعَة فَيُضَيِّع ذَلِكَ كُلّه وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ اِحْتَاجَ إِلَى إِشْهَاد مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْل الذِّمَّة @
الصفحة 19