كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 10)

وَالثَّالِث مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة لِلشَّرِيكِ الْخِيَار إِنْ شَاءَ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْد فِي نِصْف قِيمَته وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبه وَالْوَلَاء بَيْنهمَا وَإِنْ شَاءَ قُوِّمَ نَصِيبه عَلَى شَرِيكه الْمُعْتِق ثُمَّ يَرْجِع الْمُعْتِق بِمَا دَفَعَ إِلَى شَرِيكه عَلَى الْعَبْد يَسْتَسْعِيه فِي ذَلِكَ وَالْوَلَاء كُلّه لِلْمُعْتِقِ قَالَ وَالْعَبْد فِي مُدَّة السِّعَايَة بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَب فِي كُلّ أَحْكَامه . هَذَا كُلّه فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُعْتِق لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا . فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا حَالَ الْإِعْتَاق فَفِيهِ مَذَاهِب أَيْضًا أَحَدهَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبِي عُبَيْد وَمُوَافِقِيهِمْ يَنْفُذ الْعِتْق فِي نَصِيب الْمُعْتِق فَقَطْ وَلَا يُطَالِب الْمُعْتِق بِشَيْء وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْد بَلْ يَبْقَى نَصِيب الشَّرِيك رَقِيقًا كَمَا كَانَ ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور عُلَمَاء الْحِجَاز لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر .
الْمَذْهَب الثَّانِي مَذْهَب اِبْن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَة وَابْن أَبِي لَيْلَى وَسَائِر الْكُوفِيِّينَ وَإِسْحَاق يُسْتَسْعَى الْعَبْد فِي حِصَّة الشَّرِيك ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي رُجُوع الْعَبْد بِمَا أَدَّى فِي سِعَايَته عَلَى مُعْتِقه فَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى يَرْجِع عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَصَاحِبَاهُ لَا يَرْجِع ، ثُمَّ هُوَ عِنْد أَبَى حَنِيفَة فِي مُدَّة السِّعَايَة بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَب وَعِنْد الْآخَرِينَ هُوَ حُرّ بِالسِّرَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ النَّوَوِيّ بَاقِي الْمَذَاهِب ثُمَّ قَالَ أَمَّا إِذَا مَلَكَ الْإِنْسَان عَبْدًا بِكَمَالِهِ فَأَعْتَقَ بَعْضه فَيَعْتِق كُلّه فِي الْحَال بِغَيْرِ اِسْتِسْعَاء هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالك وَأَحْمَد وَالْعُلَمَاء كَافَّة وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَة فَقَالَ يُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّته لِمَوْلَاهُ وَخَالَفَهُ أَصْحَابه فِي ذَلِكَ فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُور وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَرَبِيعَة وَحَمَّاد وَرِوَايَة عَنْ الْحَسَن كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة وَقَالَهُ أَهْل الظَّاهِر عَنْ الشَّعْبِيّ وَعُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن الْعَنْبَرِيّ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْتِق مِنْ عَبْده مَا شَاءَ اِنْتَهَى . فَإِنْ قُلْت : حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْمَذْكُور يَدُلّ عَلَى ثُبُوت الِاسْتِسْعَاء وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَدُلّ عَلَى تَرْكه فَكَيْف التَّوْفِيق بَيْنهمَا .@

الصفحة 475