كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 10)

قُلْت : إِنَّ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ لَا يُشَكّ فِي صِحَّتهمَا وَاتَّفَقَ عَلَى إِخْرَاجهمَا الشَّيْخَانِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم . وَقَدْ جَمَعَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ الْأَئِمَّة الْحُذَّاق مِنْهُمْ الْبُخَارِيّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرهمْ .
قَالَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه بَعْد إِخْرَاج حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر مِنْ طُرُق شَتَّى : بَاب إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْد وَلَيْسَ لَهُ مَال اُسْتُسْعِيَ الْعَبْد غَيْر مَشْقُوق عَلَيْهِ عَلَى نَحْو الْكِتَابَة اِنْتَهَى .
فَأَشَارَ الْبُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ أَيْ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِق لَا مَال لَهُ يَبْلُغ قِيمَة بَقِيَّة الْعَبْد فَقَدْ تَنَجَّزَ عِتْق الْجُزْء الَّذِي كَانَ يَمْلِكهُ وَبَقِيَ الْجُزْء الَّذِي لِشَرِيكِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا إِلَى أَنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْد فِي تَحْصِيل الْقَدْر الَّذِي يَخْلُص بِهِ بَاقِيه مِنْ الرِّقّ إِنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسه اِسْتَمَرَّتْ حِصَّة الشَّرِيك مَوْقُوفَة ، وَهُوَ مَصِير مِنْ الْبُخَارِيّ إِلَى الْقَوْل بِصِحَّةِ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا وَالْحُكْم بِرَفْعِ الزِّيَادَتَيْنِ مَعًا وَهُمَا قَوْله فِي حَدِيث اِبْن عُمَر وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ ، وَقَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْر مَشْقُوق عَلَيْهِ . قَالَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح . وَأَمَّا الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ أَوَّلًا حَدِيث اِبْن عُمَر ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ أَنَّ مَا رَوَاهُ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُوسِر خَاصَّة فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُر فِي حُكْم عَتَاق الْمُعْسِر كَيْف هُوَ فَقَالَ قَائِلُونَ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ دَلِيل أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْد لَمْ يَدْخُلهُ عَتَاق فَهُوَ رَقِيق لِلَّذِي لَمْ يَعْتِق عَلَى حَاله وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا بَلْ يَسْعَى الْعَبْد فِي نِصْف قِيمَته لِلَّذِي لَمْ يُعْتِقهُ ، وَكَانَ مِنْ الْحُجَّة لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ اِبْن عُمَر وَزَادَ عَلَيْهِ شَيْئًا بَيَّنَ بِهِ كَيْف حُكْمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْد بَعْد نَصِيب الْمُعْتِق ثُمَّ سَاقَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة@

الصفحة 476