كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 10)

قَالَ الْعَيْنِيّ : وَعِنْد الْحَنَفِيَّة الْمُدَبَّر عَلَى نَوْعَيْنِ مُدَبَّر مُطْلَق نَحْو مَا إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إِذَا مُتّ فَأَنْتَ حُرّ أَوْ أَنْتَ حُرّ يَوْم أَمُوت ، أَوْ أَنْتَ حُرّ عَنْ دُبُر مِنِّي ، أَوْ أَنْتَ مُدَبَّر أَوْ دَبَّرْتك ، فَحُكْم هَذَا أَنَّهُ لَا يُبَاع وَلَا يُوهَب وَيُسْتَخْدَم وَيُؤَجَّر ، وَتُوطَأ الْمُدَبَّرَة وَتُنْكَح ، وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى يُعْتَق الْمُدَبَّر مِنْ ثُلُث مَاله وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ أَيْ ثُلُثَيْ قِيمَته إِنْ كَانَ الْمَوْلَى فَقِيرًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَال غَيْره ، وَيَسْعَى فِي كُلّ قِيمَته لَوْ كَانَ مَدْيُونًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِق جَمِيعَ مَاله .
النَّوْع الثَّانِي : مُدَبَّر مُقَيَّد نَحْو قَوْله إِنْ مُتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ حُرّ أَوْ قَالَ إِنْ مُتّ إِلَى عَشْر سِنِينَ أَوْ بَعْد مَوْت فُلَان وَيُعْتَق إِنْ وُجِدَ الشَّرْط وَإِلَّا فَيَجُوز بَيْعه اِنْتَهَى .
قَالَ النَّوَوِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يَجُوز بَيْع الْمُدَبَّر قَبْل مَوْت سَيِّده لِهَذَا الْحَدِيث وَقِيَاسًا عَلَى الْمُوصِي يُعْتِقهُ فَإِنَّهُ يَجُوز بَيْعه بِالْإِجْمَاعِ . وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ عَائِشَة وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَالْحَسَن وَمُجَاهِد وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُدُ رَحِمه اللَّه : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك رَحِمَهُ اللَّه وَجُمْهُور الْعُلَمَاء وَالسَّلَف مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى لَا يَجُوز بَيْع الْمُدَبَّر قَالُوا وَإِنَّمَا بَاعَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَيْن كَانَ عَلَى سَيِّده . وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة لِلنَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : اِقْضِ بِهِ دَيْنَك قَالُوا وَإِنَّمَا دَفَعَ إِلَيْهِ ثَمَنه لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ وَتَأَوَّلَهُ بَعْض الْمَالِكِيَّة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَال غَيْره فَرَدَّ تَصَرُّفه قَالَ هَذَا الْقَائِل وَكَذَلِكَ يُرَدّ تَصَرُّف مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَاله وَهَذَا ضَعِيف بَاطِل ، وَالصَّوَاب نَفَاذ تَصَرُّف مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَاله : وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : الْأَشْبَه عِنْدِي أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ إِذْ لَمْ يَتْرُك لِنَفْسِهِ مَالًا . وَالصَّحِيح مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره وَأَنَّهُ يَجُوز بَيْع الْمُدَبَّر بِكُلِّ حَال مَا لَمْ@

الصفحة 497