كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)
قَالَ الْحَافِظ : الَّذِي يَظْهَر مِنْ سِيَاق طُرُق الْحَدِيث فِي تَفْسِير الْقَسِّيّ أَنَّهُ الَّذِي يُخَالِطهُ الْحَرِير لَا أَنَّهُ الْحَرِير الصِّرْف .
وَمِنْ أَدِلَّة الْجُمْهُور الرُّخْصَة فِي الْعِلْم مِنْ الْحَرِير فِي الثَّوْب قَالُوا إِذَا جَازَ الْحَرِير الْخَالِص قَدْر أَرْبَع أَصَابِع مِمَّا يَمْنَع مِنْ الْجَوَاز إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمِقْدَار مُفَرَّقًا كَمَا فِي الثَّوْب الْمُخْتَلَط . قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَهُوَ قِيَاس فِي مَعْنَى الْأَصْل لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ جَوَاز ذَلِكَ جَوَاز كُلّ مُخْتَلِط وَإِنَّمَا يَجُوز مِنْهُ مَا كَانَ مَجْمُوع الْحَرِير فِيهِ قَدْر أَرْبَع أَصَابِع لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَة بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الثَّوْب فَيَكُون الْمَنْع مِنْ لُبْس الْحَرِير شَامِلًا لِلْخَالِصِ وَالْمُخْتَلِط وَبَعْد الِاسْتِثْنَاء يَقْتَصِر عَلَى الْقَدْر الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ أَرْبَع أَصَابِع إِذَا كَانَتْ مُنْفَرِدَة ، وَيَلْتَحِق بِهَا فِي الْمَعْنَى مَا إِذَا كَانَتْ مُخْتَلِطَة . وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْعَرَبِيّ لِلْجَوَازِ أَيْضًا بِأَنَّ النَّهْي عَنْ الْحَرِير حَقِيقَة فِي الْخَالِص وَالْإِذْن فِي الْقُطْن وَنَحْوه صَرِيح ، فَإِذَا خُلِطَا بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى حَرِيرًا بِحَيْثُ لَا يَتَنَاوَلهُ الِاسْم وَلَا تَشْمَلهُ عِلَّة التَّحْرِيم خَرَجَ عَنْ الْمَمْنُوع فَجَازَ .
وَمِنْ أَدِلَّة الْجُمْهُور أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لُبْس الْخَزّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة كَمَا مَرَّ ، وَالْأَصَحّ فِي تَفْسِير الْخَزّ أَنَّهُ ثِيَاب سَدَاهَا مِنْ حَرِير وَلُحْمَتهَا مِنْ غَيْره . وَفِيهِ أَنَّ هَذَا أَحَد تَفَاسِير الْخَزّ ، وَقَدْ سَلَف الِاخْتِلَاف فِي تَفْسِيره فَمَا لَمْ يَتَحَقَّق أَنَّ الْخَزّ الَّذِي لَبِسَهُ الصَّحَابَة كَانَ مِنْ الْمَخْلُوط بِالْحَرِيرِ لَا يَصِحّ الِاسْتِدْلَال بِلُبْسِهِ عَلَى جَوَاز لُبْس مَا يُخَالِطهُ الْحَرِير ، كَذَا قَرَّرَ الْحَافِظ . قُلْت : قَالَ فِي النِّهَايَة مَا مَعْنَاهُ إِنَّ الْخَزّ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْلُوط مِنْ صُوف وَحَرِير وَلَكِنْ قَدْ ظَهَرَ لَك مِمَّا سَلَف أَنَّ الْخَزّ حَرَام وَأَنَّهُ لَا يَثْبُت مِنْ لُبْس بَعْض الصَّحَابَة إِبَاحَته فَمَا لَمْ يَتَحَقَّق أَنَّ لُبْس الْخَزّ مُبَاح لَا يَصِحّ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ لُبْس بَعْض الصَّحَابَة إِيَّاهُ عَلَى إِبَاحَة لُبْس مَا يُخَالِطهُ الْحَرِير .
فَإِنْ قُلْت : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُلَّة السِّيَرَاء " إِنَّمَا يَلْبَس @
الصفحة 104