كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

قُلْت : فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَاد مِنْ رَأْس الْمِائَة آخِرهَا بَلْ كَانَ الْمُرَاد أَوَّلهَا لَمَّا عَدُّوا عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز مِنْ الْمُجَدِّدِينَ عَلَى رَأْس الْمِائَة الْأُولَى ، وَلَا الْإِمَام الشَّافِعِيّ عَلَى رَأْس الْمِائَة الثَّانِيَة ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وِلَادَة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَلَى رَأْس الْمِائَة الْأُولَى فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُون مُجَدِّدًا عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وِلَادَة الشَّافِعِيّ عَلَى رَأْس الْمِائَة الثَّانِيَة ، فَكَيْف يَصِحّ كَوْنه مُجَدِّدًا عَلَيْهِ . فَإِنْ قُلْت : الظَّاهِر مِنْ رَأْس الْمِائَة مِنْ حَيْثُ اللُّغَة هُوَ أَوَّلهَا لَا آخِرهَا ، فَكَيْف يُرَاد آخِرهَا ؟ قُلْت : كَلَّا بَلْ جَاءَ فِي اللُّغَة رَأْس الشَّيْء بِمَعْنَى آخِره أَيْضًا . قَالَ فِي تَاج الْعَرُوس : رَأْس الشَّيْء طَرَفه ، وَقِيلَ آخِره . اِنْتَهَى . قُلْت : وَعَلَيْهِ حَدِيث اِبْن عُمَر : " أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْس مِائَة سَنَة مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَحَد " أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ، فَإِنَّهُ لَا مِرْيَة فِي أَنَّ الْمُرَاد مِنْ رَأْس الْمِائَة فِي هَذَا الْحَدِيث هُوَ آخِر الْمِائَة . قَالَ الْحَافِظ فِي فَتْح الْبَارِي فِي تَفْسِير رَأْس مِائَة سَنَة : أَيْ عِنْد اِنْتِهَاء مِائَة سَنَة . اِنْتَهَى . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الرَّأْس مَجَاز عَنْ آخِر السَّنَة وَتَسْمِيَته رَأْسًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَبْدَأ لِسَنَةٍ أُخْرَى . اِنْتَهَى . وَعَلَيْهِ حَدِيث أَنَس بَعَثَهُ اللَّه عَلَى رَأْس أَرْبَعِينَ سَنَة ، فَأَقَامَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْر سِنِينَ ، وَتَوَفَّاهُ اللَّه عَلَى رَأْس سِتِّينَ سَنَة الْحَدِيث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل . قَالَ فِي مَجْمَع الْبِحَار : تَوَفَّاهُ عَلَى رَأْس سِتِّينَ ، أَيْ آخِره . وَرَأْس آيَة آخِرهَا . اِنْتَهَى . وَفِيهِ نَقْلًا عَنْ الْكَرْمَانِيّ ، وَقِيلَ إِنَّهُ ( أَيْ أَبُو الطُّفَيْل ) : مَاتَ سَنَة عَشْر وَمِائَة ، وَهِيَ رَأْس مِائَة سَنَة مِنْ مَقَالَته . اِنْتَهَى . فَإِذَنْ ظَهَرَ حَقّ الظُّهُور أَنَّ الْمُرَاد مِنْ رَأْس كُلّ مِائَة آخِر كُلّ مِائَة .
ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ اِبْن الْأَثِير وَالطِّيبِيّ وَغَيْرهمَا زَعَمُوا أَنَّ الْمُجَدِّد هُوَ الَّذِي اِنْقَضَتْ @

الصفحة 389