كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)
الْمِائَة وَهُوَ حَيّ مَعْلُوم مَشْهُور مُشَار إِلَيْهِ فَجَلَعُوا حَيَاة الْمُجَدِّد وَبَقَاءَهُ بَعْد اِنْقِضَاء الْمِائَة شَرْطًا لَهُ ، فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ عَلَى رَأْس الْمِائَة ، أَيْ آخِرهَا ، وَوُجِدَ فِيهِ جَمِيع أَوْصَاف الْمُجَدِّد ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْد اِنْقِضَاء الْمِائَة بَلْ تُوُفِّيَ عَلَى رَأْس الْمِائَة الْمَوْجُودَة قَبْل الْمِائَة الْآتِيَة بِخَمْسَةِ أَيَّام مَثَلًا لَا يَكُون مُجَدِّدًا ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَر لِي عَلَى هَذَا الِاشْتِرَاط دَلِيل . وَمَا قَالَ بَعْض السَّادَات الْأَعَاظِم إِنَّ قَيْد الرَّأْس اِتِّفَاقِيّ ، وَإِنَّ الْمُرَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَبْعَث فِي كُلّ مِائَة ، سَوَاء كَانَ فِي أَوَّل الْمِائَة أَوْ وَسَطهَا أَوْ آخِرهَا ، وَاخْتَارَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ ، بَلْ الظَّاهِر أَنَّ الْقَيْد اِحْتِرَازِيّ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَدّ كَثِير مِنْ الْأَكَابِر الَّذِينَ كَانُوا فِي وَسَط الْمِائَة مِنْ الْمُجَدِّدِينَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَل مِنْ الْمُجَدِّد الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْس الْمِائَة . فَفِي مِرْقَاة الصُّعُود : قَدْ يَكُون فِي أَثْنَاء الْمِائَة مَنْ هُوَ أَفْضَل مِنْ الْمُجَدِّد عَلَى رَأْسهَا . نَعَمْ لَوْ ثَبَتَ كَوْن قَيْد الرَّأْس اِتِّفَاقِيًّا بِدَلِيلٍ صَحِيح لَكَانَ دَائِرَة الْمُجَدِّدِيَّة أَوْسَع وَلَدَخَلَ كَثِير مِنْ الْأَكَابِر الْمَشْهُورِينَ الْمُسْتَجْمِعِينَ لِصِفَاتِ الْمُجَدِّدِيَّة فِي الْمُجَدِّدِينَ ، كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَمُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ وَمَالِك بْن أَنَس وَمُسْلِم النَّيْسَابُورِيّ وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيّ وَغَيْره مِنْ أَئِمَّة الْهُدَى .
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي مُقَدِّمَة فَتْح الْقَدِير تَحْت قَوْله عَلَى رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة : أَيْ أَوَّله ، وَرَأْس الشَّيْء أَعْلَاهُ ، وَرَأْس الشَّهْر أَوَّله . ثُمَّ قَالَ بَعْد ذَلِكَ : وَهُنَا تَنْبِيه يَنْبَغِي التَّفَطُّن لَهُ وَهُوَ أَنَّ كُلّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيث : إِنَّ اللَّه يَبْعَث إِنَّمَا يُقَرِّرهُ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْمَبْعُوث عَلَى رَأْس الْقَرْن يَكُون مَوْته عَلَى رَأْسه ، وَأَنْتَ خَبِير بِأَنَّ الْمُتَبَادِر مِنْ الْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ هُوَ أَنَّ الْبَعْث وَهُوَ الْإِرْسَال يَكُون عَلَى رَأْس الْقَرْن أَيْ أَوَّله ، وَمَعْنَى إِرْسَال الْعَالِم تَأَهُّله لِلتَّصَدِّي لِنَفْعِ الْأَنَام وَانْتِصَابه لِنَشْرِ الْأَحْكَام وَمَوْته عَلَى رَأْس الْقَرْن أَخْذ لَا بَعْث ، فَتَدَبَّرْ . ثُمَّ رَأَيْت الطِّيبِيُّ قَالَ : الْمُرَاد بِالْبَعْثِ مَنْ اِنْقَضَتْ الْمِائَة وَهُوَ حَيّ عَالِم مَشْهُور@
الصفحة 390