كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم حَدَّثَنَا بَشِير بْن مُهَاجِر حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : إِنَّ أُمَّتِي يَسُوقهَا قَوْم عِرَاض الْأَوْجُه صِغَار الْأَعْيُن كَأَنَّ وُجُوههمْ الْحَجَف ثَلَاث مِرَار حَتَّى يُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَب ، أَمَّا السَّابِقَة الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ وَأَمَّا الثَّانِيَة فَيَهْلِك بَعْض وَيَنْجُو بَعْض ، وَأَمَّا الثَّالِثَة فَيُصْطَلُونَ كُلّهمْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . قَالُوا يَا نَبِيّ اللَّه مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ التُّرْك قَالَ : أَمَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَرْبِطُنَّ خُيُولهمْ إِلَى سَوَارِي مَسَاجِد الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : وَكَانَ بُرَيْدَة لَا يُفَارِقهُ بَعِيرَانِ أَوْ ثَلَاثَة وَمَتَاع السَّفَر وَالْأَسْقِيَة بَعْد ذَلِكَ لِلْهَرَبِ مِمَّا سَمِعَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَلَاء مِنْ أُمَرَاء التُّرْك .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : إِسْنَاده صَحِيح .
فَانْظُرْ إِلَى سِيَاق أَحْمَد كَيْف خَالَفَ سِيَاق أَبِي دَاوُدَ ، مُخَالَفَة بَيِّنَة لَا يَظْهَر وَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا . وَبَوَّبَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة بِلَفْظِ بَاب فِي سِيَاقَة التُّرْك لِلْمُسْلِمِينَ وَسِيَاقَة الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ رِوَايَة أَحْمَد وَرِوَايَة أَبِي دَاوُدَ ، الْمَذْكُورَتَيْنِ وَإِنِّي لَسْت أَدْرِي مَا مُرَاده مِنْ تَبْوِيبه بِهَذَا اللَّفْظ إِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَمْع بَيْن رِوَايَتَيْ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَد بِأَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى زَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَفِي زَمَان يَكُون سِيَاقَة التُّرْك لِلْمُسْلِمِينَ ، وَفِي زَمَان آخَر يَكُون سِيَاقَة الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ ، فَهَذَا بَعِيد جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّل ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْر هَذَا فَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم بِمَا أَرَادَ .
وَعِنْدِي أَنَّ الصَّوَاب هِيَ رِوَايَة أَحْمَد وَأَمَّا رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ فَالظَّاهِر أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْوَهْم فِيهِ مِنْ بَعْض الرُّوَاة ، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة أَحْمَد مِنْ أَنَّ بُرَيْدَة لَا يُفَارِقهُ بَعِيرَانِ أَوْ ثَلَاثَة وَمَتَاع السَّفَر وَالْأَسْقِيَة بَعْد ذَلِكَ لِلْهَرَبِ مِمَّا سَمِعَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَلَاء مِنْ أُمَرَاء التُّرْك ، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَ الشَّكّ لِبَعْضِ رُوَاة أَبِي دَاوُدَ ، وَلِذَا قَالَ فِي آخِر الْحَدِيث أَوْ كَمَا قَالَ .
وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَتْ الْحَوَادِث عَلَى نَحْو مَا وَرَدَ فِي رِوَايَة أَحْمَد فَقَدْ قَالَ @

الصفحة 414