كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة : وَالْحَدِيث الْأَوَّل أَيْ حَدِيث أَحْمَد عَلَى خُرُوجهمْ وَقِتَالهمْ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلهمْ ، وَقَدْ وَقَعَ عَلَى نَحْو مَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَقْت أُمَم لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّه وَلَا يَرُدّهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا اللَّه حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَة سَبْع عَشْرَة وَسِتّ مِائَة جَيْش مِنْ التُّرْك يُقَال لَهُ الطَّطَر عَظُمَ فِي قَتْله الْخَطْب وَالْخَطَر ، وَقُضِيَ لَهُ فِي قَتْل النُّفُوس الْمُؤْمِنَة الْوَطَر فَقَتَلُوا مَا وَرَاء النَّهْر وَمَا دُونه مِنْ جَمِيع بِلَاد خُرَاسَان ، وَمَحَوْا رُسُوم مُلْك بَنِي سَاسَان ، وَخَرَّبُوا مَدِينَة نُشَاوَر وَأَطْلَقُوا فِيهَا النِّيرَان ، وَحَادَ عَنْهُمْ مِنْ أَهْل خُوَارَزْم كُلّ إِنْسَان ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ اِخْتَبَأَ فِي الْمَغَارَات وَالْكُهْفَان حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْهَا وَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَخَرَّبُوا الْبُنْيَان ، وَأَطْلَقُوا الْمَاء عَلَى الْمَدِينَة مِنْ نَهَر جَيْحَان فَغَرِقَ مِنْهَا مَبَانِي الدَّار وَالْأَرْكَان ، ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى بِلَاد ثهشان فَخَرَّبُوا مَدِينَة الرَّيّ وَقَزْوِين وَمَدِينَة أَرْدَبِيل وَمَدِينَة مراغة كرسي بِلَاد آذَرْبِيجَان وَغَيْر ذَلِكَ ، وَاسْتَأْصَلُوا سَاقَهُ مِنْ هَذِهِ الْبِلَاد مِنْ الْعُلَمَاء وَالْأَعْيَان وَاسْتَبَاحُوا قَتْل النِّسَاء وَذَبْح الْوِلْدَان ، ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى الْعِرَاق الثَّانِي وَأَعْظَم مُدُنه مَدِينَة أَصْبَهَان وَدَوْر سُورهَا أَرْبَعُونَ أَلْف ذِرَاع فِي غَايه الِارْتِفَاع وَالْإِتْقَان وَأَهْلهَا مُشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ الْحَدِيث فَحَفِظَهُمْ اللَّه بِهَذَا الشَّأْن وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مَوَادّ التَّأْيِيد وَالْإِحْسَان فَتَلَقَّوْهُمْ بِصُدُورٍ هِيَ فِي الْحَقِيقَة صُدُور الشُّجْعَان ، وَحَقَّقُوا الْخَبَر بِأَنَّهَا بَلَد الْفُرْسَان وَاجْتَمَعَ فِيهَا مِائَة أَلْف إِنْسَان ، وَأَبْرَزَ الطَّطَر الْقَتْل فِي مَضَاجِعهمْ وَسَاقَهُمْ الْقَدْر الْمَحْتُوم إِلَى مَصَارِعهمْ ، فَمَرَقُوا عَنْ أَصْبَهَان مُرُوق السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة ، فَفَرُّوا مِنْهُمْ فِرَار الشَّيْطَان فِي يَوْم بَدْر وَلَهُ حُصَاص ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ وَقَفُوا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْهَلَاك خَلَاص ، وَوَاصَلُوا السَّيْر بِالسَّيْرِ إِلَى أَنْ صَعِدُوا جَبَل أَرْبَد فَقَتَلُوا جَمِيع مَنْ فِيهِ مِنْ صُلَحَاء الْمُسْلِمِينَ ، وَخَرَّبُوا مَا فِيهِ مِنْ الْجَنَّات وَالْبَسَاتِين ، وَكَانَتْ اِسْتِطَالَتهمْ عَلَى ثُلُثَيْ بِلَاد الْمَشْرِق الْأَعْلَى ، وَقَتَلُوا مِنْ الْخَلَائِق مَا لَا يُحْصَى @

الصفحة 415