كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

، وَقَتَلُوا فِي الْعِرَاق الثَّانِي عِدَّة يَبْعُد أَنْ تُحْصَى ، وَرَبَطُوا خُيُولهمْ إِلَى سَوَارِي الْمَسَاجِد وَالْجَوَامِع كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْمُنْذِر بِخُرُوجِهِمْ ، إِلَى أَنْ قَالَ : وَقَطَعُوا السَّبِيل وَأَخَافُوهَا ، وَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار وَطَافُوهَا ، وَمَلَئُوا قُلُوب الْمُسْلِمِينَ رُعْبًا وَسَحَبُوا ذَيْل الْغَلَبَة عَلَى تِلْكَ الْبِلَاد سَحْبًا ، وَلَا شَكّ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُنْذَر بِهِمْ فِي الْحَدِيث ، وَأَنَّ لَهُمْ ثَلَاث خَرْجَات يُصْطَلَمُونَ فِي الْأَخِيرَة مِنْهَا .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فَقَدْ كَمُلَتْ بِحَمْدِ اللَّه خَرْجَاتِهِمْ ، وَلَمْ يَبْقَ قَتْلَتُهُمْ وَقِتَالهمْ ، فَخَرَجُوا عَنْ الْعِرَاق الثَّانِي وَالْأَوَّل كَمَا ذَكَرْنَا وَخَرَجُوا مِنْ هَذَا الْوَقْت عَلَى الْعِرَاق الثَّالِث بَغْدَاد وَمَا اِتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْبِلَاد ، وَقَتَلُوا جَمِيع مَنْ فِيهَا مِنْ الْمُلُوك وَالْعُلَمَاء وَالْفُضَلَاء وَالْعُبَّاد ، وَاسْتَبَاحُوا جَمِيع مَنْ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَبَرُوا الْفَلَاة إِلَى حَلَب وَقَتَلُوا جَمِيع مَنْ فِيهَا ، وَخَرَّبُوا إِلَى أَنْ تَرَكُوهَا خَالِيَة ، ثُمَّ أَوْغَلُوا إِلَى أَنْ مَلَكُوا جَمِيع الشَّام فِي مُدَّة يَسِيرَة مِنْ الْأَيَّام ، وَفَلَقُوا بِسُيُوفِهِمْ الرُّءُوس وَالْهَامّ ، وَدَخَلَ رُعْبهمْ الدِّيَار الْمِصْرِيَّة ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللُّحُوق بِالدِّيَارِ الْأُخْرَوِيَّة ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مِصْر الْمَلِك الْمُظَفَّر الْمُلَقَّب بِقُطُز رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَسَاكِر ، وَقَدْ بَلَغَتْ الْقُلُوب الْحَنَاجِر إِلَى أَنْ اِلْتَقَى بِهِمْ بِعَيْنِ جَالُوت ، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّصْر وَالظَّفَر كَمَا كَانَ لِطَالُوت ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمْع كَثِير وَعَدَد غَزِير وَارْتَحَلُوا عَنْ الشَّام مِنْ سَاعَتهمْ ، وَرَجَعَ جَمِيعه كَمَا كَانَ لِلْإِسْلَامِ ، وَعَدَوْا الْفُرَات مُنْهَزِمِينَ ، وَرَأَوْا مَا لَمْ يُشَاهِدُوهُ مُنْذُ زَمَان وَلَا حِين ، وَرَاحُوا خَائِبِينَ وَخَاسِئِينَ مَدْحُورِينَ أَذِلَّاء صَاغِرِينَ ، اِنْتَهَى كَلَام الْقُرْطُبِيّ بِاخْتِصَارٍ .
وَقَالَ الْإِمَام اِبْن الْأَثِير فِي الْكَامِل : حَادِثَة التَّتَار مِنْ الْحَوَادِث الْعُظْمَى وَالْمَصَائِب الْكُبْرَى الَّتِي عَقِمَتْ الدُّهُور عَنْ مِثْلهَا ، عَمَّتْ الْخَلَائِق وَخَصَّتْ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَوْ قَالَ قَائِل إِنَّ الْعَالَم مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى الْآن لَمْ يُبْتَلَوْا بِمِثْلِهَا لَكَانَ صَادِقًا ، فَإِنَّ التَّوَارِيخ لَمْ تَتَضَمَّن مَا يُقَارِبهَا اِنْتَهَى .@

الصفحة 416