كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

وَبَيَان الْمُشَابَهَة مِنْ وُجُوه : الْأَوَّل أَنَّهُمَا مِنْ الْحُرُوف الْمَجْهُورَة ، وَالثَّانِي أَنَّهُمَا مِنْ الْحُرُوف الرَّخْوَة ، وَالثَّالِث أَنَّهُمَا مِنْ الْحُرُوف الْمُطْبَقَة ، وَالرَّابِع أَنَّ الظَّاء وَإِنْ كَانَ مَخْرَجه مِنْ طَرَف اللِّسَان وَأَطْرَاف الثَّنَايَا الْعُلْيَا وَمَخْرَج الضَّاد مِنْ أَوَّل حَافَّة اللِّسَان وَمَا يَلِيهَا مِنْ الْأَضْرَاس إِلَّا أَنَّهُ حَصَلَ فِي الضَّاد اِنْبِسَاط لِأَجْلِ رَخَاوَتهَا وَلِهَذَا السَّبَب يَقْرَب مَخْرَجه الظَّاء ، وَالْخَامِس أَنَّ النُّطْق بِحَرْفِ الضَّاد مَخْصُوص بِالْعَرَبِ ، مُثْبَت بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُشَابَهَة بَيْن الضَّاد وَالظَّاء شَدِيدَة وَأَنَّ التَّمَيُّز عَسِير ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُول لَوْ كَانَ الْفَرْق مُعْتَبَرًا لَوَقَعَ السُّؤَال عَنْهُ فِي زَمَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَزْمِنَة الصَّحَابَة ، لَا سِيَّمَا عِنْد دُخُول الْعَجَم ، فَلَمَّا لَمْ يُنْقَل وُقُوع السُّؤَال عَنْ هَذَا الْبَتَّة عَلِمْنَا أَنَّ التَّمْيِيز بَيْن هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ لَيْسَ فِي مَحَلّ التَّكْلِيف اِنْتَهَى .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَان : لَوْ قَرَأَ الضَّالِّينَ بِالظَّاءِ مَكَان الضَّاد أَوْ بِالذَّالِ لَا تَفْسُد صَلَاته ، وَلَوْ قَرَأَ الدَّالِّينَ بِالدَّالِ تَفْسُد صَلَاته اِنْتَهَى .
وَقَدْ طَالَ النِّزَاع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة قَدِيمًا وَحَدِيثًا . فَقِيلَ لَا يَقْرَأ الضَّاد مُشَابَهَة بِالظَّاءِ ، وَمَنْ قَرَأَ هَكَذَا فَسَدَتْ صَلَاته ، بَلْ يَقْرَأ الضَّاد مُشَابَهَة بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة ، وَهَذَا كَلَام بَاطِل مَرْدُود .
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْأَئِمَّة مَنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى إِخْرَاج الضَّاد مِنْ مَخْرَجهَا فَلَهُ أَنْ يَقْرَأ الضَّاد مُشَابَهَة بِالظَّاءِ لِأَنَّ الضَّاد تُشَارِك الظَّاء فِي صِفَاتهَا كُلّهَا وَيَزِيد عَلَيْهَا بِالِاسْتِطَالَةِ فَلَوْلَا اِخْتِلَاف الْمَخْرَجَيْنِ وَالِاسْتِطَالَة فِي الضَّاد لَكَانَتْ ظَاء ، وَلَا يَقْرَأ الضَّاد مُشَابَهَة بِالدَّالِ أَبَدًا ، وَهَذَا قَوْل شَيْخنَا الْعَلَّامَة السَّيِّد نَذِير حُسَيْن الدَّهْلَوِيُّ وَشَيْخنَا الْعَلَّامَة الْقَاضِي بَشِير الدِّين الْقَنُّوجِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى .@

الصفحة 43