كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)
وَمَأْجُوج وَطُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا وَنَار تَخْرُج مِنْ قَعْر عَدَن تُرَحِّل النَّاس " وَقَالَ بَعْض الرُّوَاة فِي الْعَاشِرَة نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم ، وَقَالَ بَعْضهمْ وَرِيح تُلْقِي النَّاس فِي الْبَحْر أَخْرَجَهُ مُسْلِم .
فَأَوَّل الْآيَات عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة الْخُسُوفَات الثَّلَاث ، وَقَدْ وَقَعَ بَعْضهَا فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ اِبْن وَهْب وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَج اِبْن الْجَوْزِيّ أَنَّهُ وَقَعَ بِعِرَاقِ الْعَجَم زَلَازِل وَخُسُوفَات هَلَكَ بِسَبَبِهَا خَلْق كَثِير .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ عِنْدنَا بِشَرْقِ الْأَنْدَلُس فِيمَا سَمِعْنَاهُ مِنْ بَعْض مَشَايِخنَا .
وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث دَابَّة الْأَرْض قَبْل يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَوَّل الْآيَات ظُهُور الدَّجَّال ثُمَّ نُزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج ، فَإِذَا قَتَلَهُمْ اللَّه بِالنَّغَفِ فِي أَعْنَاقهمْ وَقَبَضَ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَخَلَتْ الْأَرْض مِنْهُ وَتَطَاوَلَتْ الْأَيَّام عَلَى النَّاس وَذَهَبَ مُعْظَم دِين الْإِسْلَام أَخَذَ النَّاس فِي الرُّجُوع إِلَى عَادَاتهمْ وَأَحْدَثُوا الْأَحْدَاث مِنْ الْكُفْر وَالْفُسُوق كَمَا أَحْدَثُوهُ بَعْد كُلّ قَائِم نَصَبَهُ اللَّه تَعَالَى بَيْنه وَبَيْنهمْ حُجَّة عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّه تَعَالَى ، فَيُخْرِج اللَّه تَعَالَى لَهُمْ دَابَّة الْأَرْض فَتُمَيِّز الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر لِيَرْتَدِع بِذَلِكَ الْكُفَّار عَنْ كُفْرهمْ وَالْفُسَّاق عَنْ فِسْقهمْ وَيَسْتَبْصِرُوا وَيَنْزِعُوا عَنْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْفُسُوق وَالْعِصْيَان ، ثُمَّ تَغِيب الدَّابَّة عَنْهُمْ وَيُمْهَلُونَ فَإِذَا أَصَرُّوا عَلَى طُغْيَانهمْ وَعِصْيَانهمْ طَلَعَتْ الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا وَلَمْ يُقْبَل بَعْد ذَلِكَ لِكَافِرٍ وَلَا فَاسِق تَوْبَة وَأُزِيلَ الْخِطَاب وَالتَّكْلِيف عَنْهُمْ ثُمَّ كَانَ قِيَام السَّاعَة عَلَى أَثَر ذَلِكَ قَرِيبًا لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونَ } فَإِذَا قُطِعَ عَنْهُمْ التَّعَبُّد لَمْ يُقِرّهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض زَمَانًا طَوِيلًا .@
الصفحة 432