كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)
أَبُو مَسْعُود أَنَّهُ أَيْضًا سَمِعَ كَذَا فِي فَتْح الْوَدُود قُلْت : الظَّاهِر مِنْ رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ أَنَّ جُمْلَة " لِأَنَّا بِمَا مَعَ الدَّجَّال أَعْلَم " مِنْهُ مَقُولَة حُذَيْفَة وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ وَلَكِنْ فِي رِوَايَة أُخْرَى لِمُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِأَنَّا أَعْلَم بِمَا مَعَ الدَّجَّال مِنْهُ " فَهَذِهِ الرِّوَايَة صَرِيحَة فِي أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَة مَقُولَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَمَشَّى الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي فَتْح الْوَدُود بَلْ الِاحْتِمَال الْأَوَّل هُوَ الْمُتَعَيَّن فَتَفَكَّرْ
( إِنَّ مَعَهُ )
: أَيْ مَعَ الدَّجَّال
( فَاَلَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ نَار مَاء إِلَخْ )
: وَفِي حَدِيث سَفِينَة عِنْد أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيِّ : مَعَهُ وَادِيَانِ أَحَدهمَا جَنَّة وَالْآخَر نَار ، فَنَاره جَنَّة وَجَنَّته نَار وَفِي حَدِيث أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : وَأَنَّهُ يَجِيء مَعَهُ مِثْل الْجَنَّة وَالنَّار فَاَلَّتِي يَقُول إِنَّهَا الْجَنَّة هِيَ النَّار . أَخْرَجَهُ أَحْمَد ، قَالَ الْحَافِظ فِي فَتْح الْبَارِي : هَذَا كُلّه يَرْجِع إِلَى اِخْتِلَاف الْمَرْئِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّائِي ، فَإِمَّا أَنْ يَكُون الدَّجَّال سَاحِرًا فَيُخَيِّل الشَّيْء بِصُورَةِ عَكْسه ، وَإِمَّا أَنْ يَجْعَل اللَّه بَاطِن الْجَنَّة الَّتِي يُسَخِّرهَا الدَّجَّال نَارًا وَبَاطِن النَّار جَنَّة ، وَهَذَا الرَّاجِح ، وَإِمَّا أَنْ يَكُون ذَلِكَ كِنَايَة عَنْ النِّعْمَة وَالرَّحْمَة بِالْجَنَّةِ ، وَعَنْ الْمِحْنَة وَالنِّقْمَة بِالنَّارِ ، فَمَنْ أَطَاعَهُ فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِجَنَّتِهِ يَئُول أَمْره إِلَى دُخُول نَار الْآخِرَة وَبِالْعَكْسِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة الْمِحْنَة وَالْفِتْنَة ، فَيَرَى النَّاظِر إِلَى ذَلِكَ مِنْ دَهْشَته النَّار فَيَظُنّهَا جَنَّة وَبِالْعَكْسِ . اِنْتَهَى
( فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ )
: أَيْ الدَّجَّال أَوْ مَا ذُكِرَ مِنْ تَلْبِيسه
( سَيَجِدُهُ مَاء )
: أَيْ فِي الْحَقِيقَة أَوْ بِالْقَلْبِ ، أَوْ بِحَسَبِ الْمَآل . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم بِالْحَالِ .@
الصفحة 439