كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)
( وَإِنَّهُ )
: أَيْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
( نَازِل )
: وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده : حَدَّثَنَا هِشَام عَنْ قَتَادَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن آدَم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَمْكُث عِيسَى فِي الْأَرْض بَعْدَمَا يَنْزِل أَرْبَعُونَ سَنَة ثُمَّ يَمُوت وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُوهُ " . وَهَذَا حَدِيث إِسْنَاده قَوِيّ . أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ هُوَ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ الْبَصْرِيّ قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ : هُوَ أَصْدَق النَّاس ، وَقَالَ أَحْمَد : ثِقَة ، وَقَالَ وَكِيع : جَبَل الْعِلْم وَشَيْخه هِشَام هُوَ اِبْن أَبِي عَبْد اللَّه الدَّسْتُوَائِيّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيث قَالَ الْعِجْلِيُّ : ثِقَة ثَبْت أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة ، وَقَتَادَة بْن دِعَامَة الْبَصْرِيّ ثِقَة ثَبْت أَحَد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة ، وَأَمَّا عَبْد الرَّحْمَن بْن آدَم فَهُوَ مِنْ رِجَال مُسْلِم وَوَثَّقَهُ اِبْن حِبَّان . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة : ذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ بِنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَرْتَفِع التَّكَالِيف ؛ لِئَلَّا يَكُون رَسُولًا إِلَى أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان ، يَأْمُرهُمْ عَنْ اللَّه وَيَنْهَاهُمْ ، وَهَذَا مَرْدُود لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَخَاتَم النَّبِيِّينَ } وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نَبِيّ مِنْ بَعْدِي " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوز أَنْ يُتَوَهَّم أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَنْزِل نَبِيًّا بِشَرِيعَةٍ مُتَجَدِّدَة غَيْر شَرِيعَة مُحَمَّد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ إِذَا نَزَلَ فَإِنَّهُ يَكُون يَوْمئِذٍ مِنْ أَتْبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ لِعُمَر : " لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اِتِّبَاعِي " فَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يَنْزِل مُقَرِّرًا لِهَذِهِ الشَّرِيعَة وَمُجَدِّدًا لَهَا ، إِذْ هِيَ آخِر الشَّرَائِع وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِر الرُّسُل ، فَيَنْزِل حَكَمًا مُقْسِطًا ، وَإِذَا صَارَ حَكَمًا فَإِنَّهُ لَا سُلْطَان يَوْمئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا إِمَام وَلَا قَاضِي وَلَا مُفْتِي غَيْره ، وَقَدْ قَبَضَ اللَّه الْعِلْم وَخَلَا النَّاس مِنْهُ فَيَنْزِل وَقَدْ عَلِمَ بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى فِي السَّمَاء قَبْل أَنْ يَنْزِل مَا يَحْتَاج@
الصفحة 454