كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

وَمِثْل هَذَا الرَّجُل الْمُدَّعِي خَرَجَ رَجُل فِي عَصْر شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَة رَحِمَهُ اللَّه وَادَّعَى بِأَنَّهُ عِيسَى ابْن مَرْيَم كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس تَقِيّ الدِّين أَحْمَد بْن عَبْد الْحَلِيم بْن تَيْمِيَة رَحِمَهُ اللَّه فِي رِسَالَته الْمُسَمَّاة بِبُغْيَةِ الْمُرْتَاد فِي الرَّدّ عَلَى الْمُتَفَلْسِفَة وَالْقَرَامِطَة وَالْبَاطِنِيَّة أَهْل الْإِلْحَاد مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَاد ، وَقَدْ كَانَ عِنْدنَا بِدِمَشْق الشَّيْخ الْمَشْهُور الَّذِي يُقَال لَهُ اِبْن هُود ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَم مَنْ رَأَيْنَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّة زُهْدًا وَمَعْرِفَة وَرِيَاضَة ، وَكَانَ مِنْ أَشَدّ النَّاس تَعْظِيمًا لِابْنِ سَبْعِينَ وَمُفَضِّلًا لَهُ عِنْده عَلَى اِبْن عَرَبِيّ وَغُلَامه اِبْن إِسْحَاق . وَأَكْثَر النَّاس مِنْ الْكِبَار وَالصِّغَار كَانُوا يُطِيعُونَ أَمْره وَكَانَ أَصْحَابه الْخَوَاصّ بِهِ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ أَنَّهُ أَيْ اِبْن هُود الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَيَقُولُونَ إِنَّ أُمّه اِسْمهَا مَرْيَم وَكَانَتْ نَصْرَانِيَّة ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَنْزِل فِيكُمْ اِبْن مَرْيَم " هُوَ هَذَا ، وَأَنَّ رُوحَانِيَّة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام تَنْزِل عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَاظَرَنِي فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَفْضَل النَّاس عِنْدهمْ فِي مَعْرِفَته بِالْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّة وَغَيْرهَا مَعَ دُخُوله فِي الزُّهْد وَالتَّصَوُّف ، وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنهمْ مُخَاطَبَات وَمُنَاظَرَات يَطُول ذِكْرهَا حَتَّى بَيَّنْت لَهُمْ فَسَاد دَعْوَاهُمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْوَارِدَة فِي نُزُول عِيسَى الْمَسِيح ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْف لَا يَنْطَبِق عَلَى هَذَا الرَّجُل ، وَبَيَّنْت لَهُمْ فَسَاد مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنْ الْقَرْمَطَة حَتَّى أَظْهَرْت مُبَاهَلَتهمْ وَحَلَفْت لَهُمْ أَنَّ مَا يَنْتَظِرُونَهُ مِنْ هَذَا الرَّجُل لَا يَكُون وَلَا يَتِمّ ، وَأَنَّ اللَّه لَا يُتِمّ أَمْر هَذَا الشَّيْخ ، فَأَبَرَّ اللَّه تِلْكَ الْأَقْسَام وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . هَذَا مَعَ تَعْظِيمهمْ لِي وَبِمَعْرِفَتِي عِنْدهمْ وَإِلَّا فَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ سَائِر النَّاس مَحْجُوبُونَ بِحَالِ حَقِيقَتهمْ وَغَوَامِضهمْ وَإِنَّمَا النَّاس عِنْدهمْ كَالْبَهَائِمِ اِنْتَهَى كَلَامه مُخْتَصَرًا .@

الصفحة 468