كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

مَوْضِع لَا يَعْلَم بِهِ إِلَّا هُوَ أَوْ لَا يَتَمَكَّن مِنْ إِزَالَته إِلَّا هُوَ . قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يَسْقُط عَنْ الْمُكَلَّف الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر لِكَوْنِهِ لَا يُفِيد فِي ظَنّه ، بَلْ يَجِب عَلَيْهِ فِعْله فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْر وَالنَّهْي لَا الْقَبُول ، وَلَا يُشْتَرَط فِي الْآمِر وَالنَّاهِي أَنْ يَكُون كَامِل الْحَال مُمْتَثِلًا بِمَا يَأْمُر بِهِ مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِمَا يَأْمُر بِهِ وَالنَّهْي وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ شَيْئَانِ : أَنْ يَأْمُر نَفْسه وَيَنْهَاهَا وَيَأْمُر غَيْره وَيَنْهَاهُ ، فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا كَيْف يُبَاح لَهُ الْإِخْلَال بِالْآخَرِ وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر أَنْ يَرْفُق لِيَكُونَ أَقْرَب إِلَى تَحْصِيل الْمَطْلُوب ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَة فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ " قَالَ وَهَذَا الْبَاب أَعْنِي بَاب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر قَدْ ضُيِّعَ أَكْثَره مِنْ أَزْمَان مُتَطَاوِلَة وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَان إِلَّا رُسُوم قَلِيلَة جِدًّا ، وَهُوَ بَاب عَظِيم بِهِ قِوَام الْأَمْر وَمِلَاكه ، وَإِذَا كَثُرَ الْخَبَث عَمَّ الْعِقَاب الصَّالِح وَالطَّالِح ، فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْآخِرَة وَالسَّاعِي فِي تَحْصِيل رِضَا اللَّه تَعَالَى أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَذَا الْبَاب فَإِنَّ نَفْعه عَظِيم لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ مُعْظَمه ، وَيُخْلِص نِيَّته وَلَا يَهَاب مَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ مَرْتَبَته فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّه مَنْ يَنْصُرهُ } وَقَالَ : وَلَا يُتَارِكهُ أَيْضًا لِصَدَاقَتِهِ وَمَوَدَّته وَمُدَاهَنَته وَطَلَب الْوَجَاهَة عِنْده وَدَوَام الْمَنْزِلَة لَدَيْهِ ، فَإِنَّ صَدَاقَته وَمَوَدَّته تُوجِب لَهُ حُرْمَة وَحَقًّا ، وَمِنْ حَقّه أَنْ يَنْصَحهُ وَيَهْدِيه إِلَى مَصَالِح آخِرَته وَيُنْقِذهُ مِنْ مَضَارّهَا ، وَصَدِيق الْإِنْسَان وَمُحِبّه هُوَ مَنْ يَسْعَى فِي عِمَارَة آخِرَته وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْص فِي دُنْيَاهُ وَعَدُوّهُ مَنْ سَعَى فِي ذَهَاب دِينه أَوْ نَقْص آخِرَته ، وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ صُورَة نَفْع فِي دُنْيَاهُ اِنْتَهَى مُلَخَّصًا .@

الصفحة 493