كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)
غَيْره )
: وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك وَزَادَنِي غَيْر عُتْبَة
( قَالَ يَا رَسُول اللَّه أَجْر خَمْسِينَ )
: بِتَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَام
( مِنْهُمْ )
: قَالَ الْقَارِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدهمَا أَنْ يَكُون أَجْر كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ عَلَى تَقْدِير أَنَّهُ غَيْر مُبْتَلًى وَلَمْ يُضَاعَف أَجْره ، وَثَانِيهمَا أَنْ يُرَاد أَجْر خَمْسِينَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ لَمْ يُبْتَلَوْا بِبَلَائِهِ اِنْتَهَى
( قَالَ أَجْر خَمْسِينَ مِنْكُمْ )
: قَالَ فِي فَتْح الْوَدُود : هَذَا فِي الْأَعْمَال الَّتِي يَشُقّ فِعْلهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّام لَا مُطْلَقًا وَقَدْ جَاءَ " لَوْ أَنْفَقَ أَحَدكُمْ مِثْل أُحُد ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدهمْ وَلَا نَصِيفه " وَلِأَنَّ الصَّحَابِيّ أَفْضَل مِنْ غَيْره مُطْلَقًا اِنْتَهَى .
وَقَالَ الشَّيْخ عِزّ الدِّين بْن عَبْد السَّلَام : لَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلَاقه بَلْ هُوَ مَبْنِيّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَعْمَال تَشْرُف بِثَمَرَاتِهَا ، وَالثَّانِيَة أَنَّ الْغَرِيب فِي آخِر الْإِسْلَام كَالْغَرِيبِ فِي أَوَّله وَبِالْعَكْسِ لِقَوْلِهِ : " بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ مِنْ أُمَّتِي " يُرِيد الْمُنْفَرِدِينَ عَنْ أَهْل زَمَانهمْ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُول الْإِنْفَاق فِي أَوَّل الْإِسْلَام أَفْضَل لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِخَالِدِ بْن الْوَلِيد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " لَوْ أَنْفَقَ أَحَدكُمْ مِثْل أُحُد ذَهَبًا مَا بَلَغَ مَدّ أَحَدهمْ وَلَا نَصِيفه " أَيْ مُدَّ الْحِنْطَة وَالسَّبَب فِيهِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَة أَثْمَرَتْ فِي فَتْح الْإِسْلَام وَإِعْلَاء كَلِمَة اللَّه مَا لَا يُثْمِر غَيْرهَا ، وَكَذَلِكَ الْجِهَاد بِالنُّفُوسِ لَا يَصِل الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ إِلَى فَضْل الْمُتَقَدِّمِينَ لِقِلَّةِ عَدَد الْمُتَقَدِّمِينَ وَقِلَّة أَنْصَارهمْ ، فَكَانَ جِهَادهمْ أَفْضَل ؛ وَلِأَنَّ بَذْل النَّفْس مَعَ النُّصْرَة وَرَجَاء الْحَيَاة لَيْسَ كَبَذْلِهَا مَعَ عَدَمهَا ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام " أَفْضَل الْجِهَاد كَلِمَة حَقّ عِنْد سُلْطَان جَائِر " جَعَلَهُ أَفْضَل الْجِهَاد لِيَأْسِهِ مِنْ حَيَاته وَأَمَّا النَّهْي عَنْ الْمُنْكَر بَيْن ظُهُور الْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام فَإِنَّ ذَلِكَ شَاقّ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ الْمُعِين وَكَثْرَة الْمُنْكَر فِيهِمْ كَالْمُنْكِرِ عَلَى السُّلْطَان الْجَائِر ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : " يَكُون الْقَابِض عَلَى دِينه كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْر "@
الصفحة 496
520