كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 11)

وَهُوَ مَفْعُول أَرْجُو أَيْ أَرْجُو عَدَم عَجْز أُمَّتِي ( عِنْد رَبّهَا ) مِنْ كَمَالِ قُرْبهَا ( أَنْ يُؤَخِّرهُمْ نِصْف يَوْم ) : يَوْم بَدَل مِنْ أَنْ لَا تَعْجِز ، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمَلَك أَوْ مُتَعَلَّق بِهِ بِحَذْفِ عَنْ كَمَا اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ الطِّيبِيّ ، ثُمَّ قَالَ وَعَدَم الْعَجْز هُنَا كِنَايَة عَنْ التَّمَكُّن مِنْ الْقُرْبَة وَالْمَكَانَة عِنْد اللَّه تَعَالَى ، مِثَال ذَلِكَ قَوْل الْمُقَرَّب عِنْد السُّلْطَان إِنِّي لَا أَعْجِز أَنْ يُوَلِّينِي الْمَلِك كَذَا وَكَذَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ لِي عِنْده مَكَانَة وَقُرْبَة يَحْصُل بِهَا كُلّ مَا أَرْجُوهُ عِنْده ، فَالْمَعْنَى إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُون لِأُمَّتِي عِنْد اللَّه مَكَانَة وَمَنْزِلَة يُمْهِلهُمْ مِنْ زَمَانِي هَذَا إِلَى اِنْتِهَاء خَمْس مِائَة سَنَة بِحَيْثُ لَا يَكُون أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قِيَام السَّاعَة اِنْتَهَى .
وَالْحَدِيث عَلَى هَذَا مَحْمُول عَلَى قُرْب قِيَام السَّاعَة ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ أَبُو دَاوُدَ ؛ وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَاب ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ صَاحِب الْمَصَابِيح أَيْضًا ، وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ فِي بَاب قُرْب السَّاعَة وَاخْتَارَهُ الطِّيبِيّ رَحِمَهُ اللَّه وَزَيَّفَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ ، وَاخْتَارَ الدَّاوُدِيّ الْمَعْنَى الْأَوَّل وَرَدَّ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي .
قَالَ الْعَلْقَمِيّ فِي شَرْح الْجَامِع الصَّغِير : تَمَسَّكَ الطَّبَرِيُّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا بَعْد هِجْرَة الْمُصْطَفَى نِصْف يَوْم وَهُوَ خَمْس مِائَة سَنَة ، قَالَ : وَتَقُوم السَّاعَة وَيَعُود الْأَمْر إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَكُون شَيْء غَيْر الْبَارِي وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهه ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الدَّاوُدِيّ قَالَ : وَقْت السَّاعَة لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه ، وَيَكْفِي فِي الرَّدّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْر بِخِلَافِ قَوْله فَقَدْ مَضَتْ خَمْس مِائَة سَنَة وَثَلَاث مِائَة ، وَحَدِيث أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّهَا لَا تُؤَخَّر أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّ يَوْمًا عِنْد رَبّك كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } يَعْنِي مِنْ عَدَدكُمْ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْم الَّذِي هُوَ كَأَلْفِ سَنَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُفَّار قَلِيل وَأَنَّ مِقْدَاره عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ أَلْف سَنَة وَإِنَّهُ لَيُخَفَّف عَنْ مَنْ اِخْتَارَهُ اللَّه تَعَالَى حَتَّى يَصِير كَمِقْدَارِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر الْمَسْنُونَة اِنْتَهَى مِنْ شَرْح السُّنَن لِابْنِ رَسْلَان .@

الصفحة 510