كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 12)

سُود مَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أُلْقُوا فِيهَا لِأَنَّهَا أَقْرَب الْمَكَان الَّذِي فَعَلُوا فِيهِ مَا فَعَلُوا
( يَسْتَسْقُونَ )
: أَيْ يَطْلُبُونَ الْمَاء أَيْ مِنْ شِدَّة الْعَطَش النَّاشِئ مِنْ حَرَارَة الشَّمْس
( فَلَا يُسْقَوْنَ )
: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول أَيْ فَلَا يُعْطَوْنَ الْمَاء .
وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَدَم سَقْيهمْ الْمَاء لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْل فَاسْتَسْقَى لَا يُمْنَع ، وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَع عَنْ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَقَعَ مِنْهُ نَهْي عَنْ سَقْيهمْ اِنْتَهَى . قَالَ الْحَافِظ وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَسُكُوته كَافٍ فِي ثُبُوت الْحُكْم ، وَأَجَابَ النَّوَوِيّ بِأَنَّ الْمُحَارِب الْمُرْتَدّ لَا حُرْمَة لَهُ فِي سَقْي الْمَاء وَلَا غَيْره ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مَاء إِلَّا لِطَهَارَتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيه لِلْمُرْتَدِّ وَيَتَيَمَّم بَلْ يَسْتَعْمِلهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَدّ عَطَشًا .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْمَوْت بِذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي تَعْطِيشهمْ لِكَوْنِهِمْ كَفَرُوا نِعْمَة سَقْي أَلْبَان الْإِبِل الَّتِي حَصَلَ لَهُمْ بِهَا الشِّفَاء مِنْ الْجُوع وَالْوَخَم ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِالْعَطَشِ عَلَى مَنْ عَطَّشَ آلَ بَيْته فِي قِصَّة رَوَاهَا النَّسَائِيُّ ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مَنَعُوا إِرْسَال مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَة مِنْ اللَّبَن الَّذِي كَانَ يُرَاح بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لِقَاحه فِي كُلّ لَيْلَة ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ اِبْن سَعْد . اِنْتَهَى كَلَام الْحَافِظ .
قَالَ فِي فَتْح الْوَدُود : وَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بِالرَّاعِي مِثْل ذَلِكَ وَقِيلَ بَلْ لِشِدَّةِ جِنَايَتهمْ كَمَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام أَبِي قَتَادَة اِنْتَهَى
( قَالَ أَبُو قِلَابَةَ )@

الصفحة 22