كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 12)
فَقَالَ تَعَالَى فِي الزُّمَر { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا } : فَكَيْف الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الْآيَات .
قُلْت : حَيْثُ جَعَلَهُ كُلّه مُحْكَمًا أَرَادَ أَنَّهُ كُلّه حَقّ وَصِدْق لَيْسَ فِيهِ عَبَث وَلَا هَزْل ، وَحَيْثُ جَعَلَهُ كُلّه مُتَشَابِهًا أَرَادَ أَنَّ بَعْضه يُشْبِه بَعْضًا فِي الْحُسْن وَالْحَقّ وَالصِّدْق ، وَحَيْثُ جَعَلَهُ هُنَا بَعْضه مُحْكَمًا وَبَعْضه مُتَشَابِهًا فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ عِبَارَات الْعُلَمَاء فِيهِ ، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّ الْآيَات الْمُحْكَمَة هِيَ النَّاسِخ وَالْمُتَشَابِهَات هِيَ الْآيَات الْمَنْسُوخَة ، وَبِهِ قَالَ اِبْن مَسْعُود وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ .
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُحْكَمَات مَا فِيهِ أَحْكَام الْحَلَال وَالْحَرَام ، وَالْمُتَشَابِهَات مَا سِوَى ذَلِكَ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا وَيُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا .
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُحْكَمَات مَا أَطْلَعَ اللَّه عِبَاده عَلَى مَعْنَاهُ ، وَالْمُتَشَابِه مَا اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ فَلَا سَبِيل لِأَحَدٍ إِلَى مَعْرِفَته ، نَحْو الْخَبَر عَنْ أَشْرَاط السَّاعَة مِثْل الدَّجَّال وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج وَنُزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَطُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا وَفَنَاء الدُّنْيَا وَقِيَام السَّاعَة ، فَجَمِيع هَذَا مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُحْكَم مَا لَا يَحْتَمِل مِنْ التَّأْوِيل إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَالْمُتَشَابِه مَا يَحْتَمِل أَوْجُهًا ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيّ.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُحْكَم سَائِر الْقُرْآن وَالْمُتَشَابِه هِيَ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي أَوَائِل السُّوَر .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ رَهْطًا مِنْ الْيَهُود مِنْهُمْ حَيِيّ بْن أَخْطَب وَكَعْب بْن الْأَشْرَف وَنُظَرَاؤُهُمَا أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ حَيِيّ بَلَغَنَا أَنَّك أُنْزِلَ عَلَيْك الم فَأَنْشُدك اللَّه أَأُنْزِلَتْ عَلَيْك ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا فَإِنِّي أَعْلَم@
الصفحة 345