كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 12)

مُدَّة مُلْك أُمَّتك هِيَ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة فَهَلْ أُنْزِلَ عَلَيْك غَيْرهَا ؟ قَالَ نَعَمْ المص ، قَالَ فَهَذِهِ أَكْثَر هِيَ إِحْدَى وَسِتُّونَ وَمِائَة فَهَلْ أُنْزِلَ عَلَيْك غَيْرهَا ؟ قَالَ نَعَمْ الر ، قَالَ هَذِهِ أَكْثَر هِيَ مِائَتَانِ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ سَنَة فَهَلْ مِنْ غَيْرهَا ؟ قَالَ نَعَمْ المر ، قَالَ هَذِهِ أَكْثَر هِيَ مِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة وَلَقَدْ اِخْتَلَطَ عَلَيْنَا فَلَا نَدْرِي أَبِكَثِيرِهِ نَأْخُذ أَمْ بِقَلِيلِهِ وَنَحْنُ مِمَّنْ لَا يُؤْمِن بِهَذَا ، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة قَوْله تَعَالَى { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } : قَالَهُ الْخَازِن فِي تَفْسِيره . وَقَالَ الْحَافِظ اِبْن كَثِير فِي تَفْسِيره : وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه ، فَرُوِيَ عَنْ السَّلَف عِبَارَات كَثِيرَة ، وَأَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار حَيْثُ قَالَ : مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات فَهُنَّ حُجَّة الرَّبّ وَعِصْمَة الْعِبَاد وَدَفْع الْخُصُوم وَالْبَاطِل لَيْسَ لَهُنَّ تَصْرِيف وَلَا تَحْرِيف عَمَّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ . قَالَ وَالْمُتَشَابِهَات فِي الصِّدْق لَيْسَ لَهُنَّ تَصْرِيف وَتَحْرِيف وَتَأْوِيل اِبْتَلَى اللَّه فِيهِنَّ الْعِبَاد كَمَا اِبْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَال وَالْحَرَام لَا يُصْرَفْنَ إِلَى الْبَاطِل وَلَا يُحَرَّفْنَ عَنْ الْحَقّ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } : أَيْ ضَلَال وَخُرُوج عَنْ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } : أَيْ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ بِالْمُتَشَابِهِ الَّذِي يُمَكِّنهُمْ أَنْ يُحَرِّفُوهُ إِلَى مَقَاصِدهمْ الْفَاسِدَة وَيُنْزِلُوهُ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ لَفْظه لِمَا يَصْرِفُونَهُ ، فَأَمَّا الْمُحْكَم فَلَا نَصِيب لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ دَافِع لَهُمْ وَحُجَّة عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى { اِبْتِغَاء الْفِتْنَة } : أَيْ الْإِضْلَال لِأَتْبَاعِهِمْ ، أَمَّا إِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى بِدْعَتهمْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ حُجَّة عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ كَمَا قَالُوا : اِحْتَجَّ النَّصَارَى بِأَنَّ الْقُرْآن قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ عِيسَى رُوح اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاج بِقَوْلِهِ { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْد أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } : وَبِقَوْلِهِ { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } : وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الْمُحْكَمَة الْمُصَرِّحَة بِأَنَّهُ خَلْق مِنْ مَخْلُوقَات اللَّه تَعَالَى وَعَبْد وَرَسُول مِنْ رُسُل اللَّه اِنْتَهَى @

الصفحة 346