كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 12)

الْخَازِن { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم } : أَيْ الثَّابِتُونَ فِي الْعِلْم وَهُمْ الَّذِينَ أَتْقَنُوا عِلْمهمْ بِحَيْثُ لَا يَدْخُل فِي عِلْمهمْ شَكٌّ { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا } : يَعْنِي الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه وَالنَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ وَمَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَم ، وَنَحْنُ مُعْتَمِدُونَ فِي الْمُتَشَابِه بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَكِل مَعْرِفَته إِلَى اللَّه تَعَالَى وَفِي الْمُحْكَم يَجِب عَلَيْنَا الْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ { وَمَا يَذَّكَّر إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَاب } : أَيْ وَمَا يَتَّعِظ بِمَا فِي الْقُرْآن إِلَّا ذَوُو الْعُقُول ، وَهَذَا ثَنَاء مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا .
وَقَالَ النَّوَوِيّ : اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأُصُولِيُّونَ وَغَيْرهمْ فِي الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه اِخْتِلَافًا كَثِيرًا . قَالَ الْغَزَالِيّ فِي الْمُسْتَصْفَى : الصَّحِيح أَنَّ الْمُحْكَم يَرْجِع إِلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا الْمَكْشُوف الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ إِشْكَال وَاحْتِمَال ، وَالْمُتَشَابِه مَا يَتَعَارَض فِيهِ الِاحْتِمَال ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحْكَم مَا اِنْتَظَمَ تَرْتِيبه مُفِيدًا إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا بِتَأْوِيلِ ، وَأَمَّا الْمُتَشَابِه فَالْأَسْمَاء الْمُشْتَرِكَة كَالْقُرْءِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّد بَيْن الْحَيْض وَالطُّهْر اِنْتَهَى مُلَخَّصًا .
{ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }
: أَيْ مِنْ الْكِتَاب يَعْنِي يَبْحَثُونَ فِي الْآيَات الْمُتَشَابِهَة لِطَلَبِ أَنْ يَفْتِنُوا النَّاس عَنْ دِينهمْ وَيُضِلُّوهُمْ
{ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّه }
: كِلَا مَفْعُولَيْهِ مَحْذُوفَانِ أَيْ سَمَّاهُمْ اللَّه أَهْل الزَّيْغ ، كَذَا قَالَ اِبْن الْمَلَك فِي الْمَبَارِق
( فَاحْذَرُوهُمْ )
يَعْنِي لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُكَالِمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَهْل الزَّيْغ وَالْبِدَع . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } إِلَى قَوْله { أُولُو الْأَلْبَاب } : قَالَتْ : قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ " وَفِي لَفْظ " فَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ أُولَئِكَ سَمَّاهُمْ اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ " هَذَا لَفْظ الْبُخَارِيّ . وَلَفْظ اِبْن جَرِير وَغَيْره " فَإِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ وَاَلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه فَلَا تُجَالِسُوهُمْ.@

الصفحة 348