كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 12)

( وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ )
: أَيْ نَقَضَ الْعَهْد وَتَرَكَ الْوَفَاء بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ . وَأَمَّا الْفَرْق بَيْن الْوَعْد وَالْعَهْد فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْفَرْق بَيْن الْوَعْد وَالْعَهْد صَرِيحًا .
وَالظَّاهِر مِنْ صَنِيع الْإِمَام الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنهمَا بَلْ هُمَا مُتَرَادِفَانِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَاب الشَّهَادَات مِنْ صَحِيحه بَاب مَنْ أُمِرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْد ، ثُمَّ اِسْتَدَلَّ عَلَى مَضْمُون الْبَاب بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيث أَوَّلهَا حَدِيث أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب فِي قِصَّة هِرَقْل أَوْرَدَ مِنْهُ طَرَفًا وَهُوَ أَنَّ هِرَقْل قَالَ لَهُ سَأَلْتُك مَاذَا يَأْمُركُمْ . فَزَعَمْت أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْق وَالْعَفَاف وَالْوَفَاء بِالْعَهْدِ الْحَدِيث .
وَلَوْلَا أَنَّ الْوَعْد وَالْعَهْد مُتَّحِدَانِ لَمَا تَمَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال ، فَثَبَتَ مِنْ صَنِيعه هَذَا أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ . وَالظَّاهِر مِنْ كَلَام الْحَافِظ رَحِمَهُ اللَّه فِي الْفَتْح أَنَّ بَيْنهمَا فَرْقًا فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّ مَعْنَاهُمَا قَدْ يَتَّحِد وَنَصَّهُ فِي شَرْح بَاب عَلَامَات الْمُنَافِق مِنْ كِتَاب الْإِيمَان قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَالنَّوَوِيّ : حَصَلَ فِي مَجْمُوع الرِّوَايَتَيْنِ خَمْس خِصَال لِأَنَّهُمَا تَوَارَدَتَا عَلَى الْكَذِب فِي الْحَدِيث وَالْخِيَانَة فِي الْأَمَانَة وَزَادَ الْأَوَّل الْخُلْف فِي الْوَعْد وَالثَّانِي الْغَدْر فِي الْمُعَاهَدَة وَالْفُجُور فِي الْخُصُومَة .
قُلْت : وَفِي رِوَايَة مُسْلِم الثَّانِي بَدَل الْغَدْر فِي الْمُعَاهَدَة الْخُلْف فِي الْوَعْد كَمَا فِي الْأَوَّل ، فَكَأَنَّ بَعْض الرُّوَاة تَصَرَّفَ فِي لَفْظه لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا قَدْ يَتَّحِد إِلَخْ . فَلَفْظه قَدْ تَدُلّ دَلَالَة ظَاهِرَة عَلَى أَنَّ بَيْنهمَا فَرْقًا ، وَلَكِنْ لَمْ يُبَيِّن أَنَّهُ أَيْ فَرَّقَ بَيْنهمَا ، وَلَعَلَّ الْفَرْق هُوَ أَنَّ الْوَعْد أَعَمّ مِنْ الْعَهْد مُطْلَقًا ، فَإِنَّ الْعَهْد هُوَ الْوَعْد الْمُوثَق فَأَيْنَمَا وُجِدَ الْعَهْد وُجِدَ الْوَعْد ، مِنْ غَيْر عَكْس . لِجَوَازِ أَنْ يُوجَد الْوَعْد مِنْ غَيْر تَوْثِيق.
وَيُمْكِن أَنْ يَكُون بَيْنهمَا عُمُوم وَخُصُوص مِنْ وَجْه ، فَالْوَعْد أَعَمّ مِنْ الْعَهْد ، بِأَنَّ الْعَهْد لَا يُطْلَق إِلَّا إِذَا كَانَ الْوَعْد مُوَثَّقًا وَالْوَعْد أَهَمّ مِنْ أَنْ يَكُون مُوَثَّقًا@

الصفحة 444