كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 12)

عليها أربعون ودخلت في طور العلقة وهذا أول تخليقه
والتقدير الثاني والكتابة الثانية إذا كمل تصويره وتخليقه وتقدير أعضائه وكونه ذكرا أو أنثى من الخارج فتكتب مع ذلك عمله ورزقه وأجله وشقاوته وسعادته
فلا تنافي بين الحديثين والحمد لله رب العالمين
ويكون التقدير الأول تقديرا لما يكون للنطفة بعد الأربعين فيقدر معه السعادة والشقاوة والرزق والعمل
والتقدير الثاني تقديرا لما يكون للجنين بعد تصويره فيقدر معه ذلك ويكتب أيضا وهذا التقدير أخص من الأول
ونظير هذا أن الله سبحانه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ثم يقدر ليلة القدر ما يكون في العام لمثله وهذا أخص من التقدير الأول العام كما أن تقدير أمر النطفة وشأنها يقع بعد تعلقها بالرحم وقد قدر أمرها قبل خلق السموات والأرض
ونظير هذا رفع الأعمال وعرضها على الله تعالى فإن عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق أنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس كما ثبت ذلك في صحيح مسلم وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل وعمل الليل في آخره قبل النهار
فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل
وهذه المسائل
من أسرار مسائل القضاء والقدر
فصلوات الله وسلامه على هادى الأمة وكاشف الغمة الذي أوضح الله به المحجة واقام به الحجة وأنار به السبيل وأوضح به الدليل ولله در القائل
أحيا القلوب محمد لما أتى ومضى فناءت بعده أمناؤه
كالورد راقك ريحه فشممته وإذا تولى ناب عنه مساؤه

الصفحة 479