كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 12)

والقول الرابع أنهم بين الجنة والنار إذ لا معصية لهم توجب دخول النار ولا إسلام يوجب لهم دخول الجنة
وهذا أيضا ليس بشيء فإنه لا دار للقرار إلا الجنة والنار وأما الأعراف فإن مآل أصحابها إلى الجنة كما قاله الصحابة
والقول الخامس أنهم تحت المشيئة يجوز أن يعذبهم وأن ينعمهم وأن يعذب بعضا وهذا قول كثير من المثبتين للقدر وقول الجبرية ونفاة التعليل والحكم
والقول السادس أنهم ولدان أهل الجنة وخدمهم وقد روى في ذلك حديث لا يثبت
والقول السابع أن حكمهم حكم الآباء في الدنيا والآخرة فلا حكم لهم غير حكم آبائهم
فكما هم تبع لأبائهم في الدنيا كذلك هم لهم تبع في الآخرة
والقول الثامن أنهم يمتحنون في الآخرة فمن أطاع منهم أدخله الله الجنة ومن عصى عذبه وقد روى في هذا من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة وغيرهما وهي أحاديث يشد بعضها بعضا
وهذا أعدل الأقوال وبه يجتمع شمل الأدلة وتتفق الأحاديث في هذا الباب
وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة كما في حديث سمرة وبعضهم في النار كما دل عليه حديث عائشة
وجواب النبي صلى الله عليه و سلم يدل على هذا فإنه قال الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم
ومعلوم أن الله لا يعذبهم بعلمه فيهم ما لم يقع معلومه فهو إنما يعذب من يستحق العذاب على معلومه وهو متعلق علمه السابق فيه لا على علمه المجدد وهذا العلم يظهر معلومه في الدار الآخرة
وفي قوله الله أعلم بما كانوا عاملين إشارة إلى أنه سبحانه كان يعلم مما كانوا عاملين لو عاشوا وأن من يطيعه وقت الامتحان كان ممن يطيعه لو عاش في الدنيا ومن يعصيه حينئذ كان ممن يعصيه لو عاش في الدنيا فهو دليل على تعلق علمه بما لم يكن لو كان كيف كان يكون
وقيل إنما قاله النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يعلمه الله بمصيرهم ومستقرهم
وليس بشيء فإنه لا تعرض في هذا المستقر كما تقدم
وقيل معناه الله أعلم على أي دين عييتهمم
لو عاشوا وبلغوا العمل فأما إذا عدم فيهم العمل منهم في رحمة الله وهذا بعيد من دلالة اللفظ عليه والله أعلم

الصفحة 493