كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 13)

وَالْمَوْقُوف أَصَحُّ . وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيل عَلَى فِقْه الصَّحَابَة فِي أَحْوَال الْقُلُوب وَأَدْوَائِهَا وَأَدْوِيَتهَا وَأَنَّهُمْ أَطِبَّاء الْقُلُوب .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْغِنَاءِ خَوَاصّ فَمِنْهَا أَنَّهُ يُلْهِي الْقَلْب وَيَصُدّهُ عَنْ فَهْم الْقُرْآن وَتَدَبُّره وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ ، فَإِنَّ الْقُرْآن وَالْغِنَاء لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْقَلْب لِمَا بَيْنهمَا مِنْ التَّضَاد ، فَالْقُرْآن يَنْهَى عَنْ اِتِّبَاع الْهَوَى وَيَأْمُر بِالْعِفَّةِ وَمُجَانَبَة الشَّهَوَات وَأَسْبَاب الْغَيّ ، وَالْغِنَاء يَأْمُر بِضِدِّ ذَلِكَ وَيُحَسِّنهُ وَيُهَيِّج النُّفُوس إِلَى شَهَوَات الْغَيّ .
قَالَ بَعْض الْعَارِفِينَ : السَّمَاع يُورِث بَعْض النِّفَاق فِي قَوْم وَالْعِنَاد فِي قَوْم وَالتَّكْذِيب فِي قَوْم وَالْفُجُور فِي قَوْم ، وَأَكْثَر مَا يُورِث عِشْق الصُّوَر وَاسْتِحْسَان الْفَوَاحِش وَإِدْمَانه يُثْقِل الْقُرْآن عَلَى الْقَلْب وَيُكَرِّههُ عَلَى السَّمْع .
وَسِرُّ الْمَسْأَلَة أَنَّ الْغِنَاء قُرْآن الشَّيْطَان ، فَلَا يَجْتَمِع هُوَ وَقُرْآن الرَّحْمَن فِي قَلْب وَهَذَا مَعْنَى النِّفَاق . وَأَيْضًا فَإِنَّ أَسَاس النِّفَاق أَنْ يُخَالِف الظَّاهِر الْبَاطِن ، وَصَاحِب الْغِنَاء بَيْن أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُنْتَهَك فَيَكُون فَاجِرًا أَوْ يُظْهِر النُّسُك فَيَكُون مُنَافِقًا ، فَإِنَّهُ يُظْهِر الرَّغْبَة فِي اللَّه وَالدَّار الْآخِرَة وَقَلْبه يَغْلِي بِالشَّهَوَاتِ وَمَحَبَّة مَا يُنَافِي الدِّين مِنْ اللَّهْو وَالْآلَات .
وَأَيْضًا فَمِنْ عَلَامَات النِّفَاق قِلَّة ذِكْر اللَّه وَالْكَسَل عِنْد الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة وَنُقِرّ الصَّلَاة ، وَهَذِهِ صِفَة الْمَفْتُونِينَ بِالْغِنَاءِ .
وَأَيْضًا الْمُنَافِق يُفْسِد مِنْ حَيْثُ يَظُنّ أَنَّهُ يُصْلِح كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ الْمُنَافِقِينَ ، وَصَاحِب السَّمَاع يُفْسِد قَلْبه وَحَاله مِنْ حَدِيث أَنَّهُ يُصْلِحهُ . وَالْمُغَنِّي يَدْعُو الْقَلْب إِلَى فِتْنَة الشَّهَوَات وَالْمُنَافِق يَدْعُوهَا إِلَى فِتْنَة الشُّبُهَات .
قَالَ الضَّحَّاك : الْغِنَاء مَفْسَدَة لِلْقَلْبِ مَسْخَطَة لِلرَّبِّ .
وَكَتَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إِلَى مُؤَدِّب وَلَده بَلَغَنِي عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّ صَوْت @

الصفحة 270