كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 13)

وَمَزَامِير الشَّيْطَان ، وَصَوْت عِنْد مُصِيبَة خَمْش وُجُوه وَشَقِّ جُيُوب وَرَنَّة " الْحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن .
فَانْظُرْ إِلَى النَّهْي الْمُؤَكِّد تَسْمِيَة الْغِنَاء صَوْتًا أَحْمَق وَلَمْ يَقْتَصِر عَلَى ذَلِكَ حَتَّى سَمَّاهُ مَزَامِير الشَّيْطَان . وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر عَلَى تَسْمِيَة الْغِنَاء مَزْمُور الشَّيْطَان .
قَالَ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَمِنْ مَكَائِدِ عَدُوّ اللَّه الَّتِي كَادَ بِهَا هُوَ قَلَّ نَصِيبه مِنْ الْعِلْم وَالْعَقْل وَالدِّين وَصَادَ بِهَا قُلُوب الْجَاهِلِينَ وَالْمُبْطِلِينَ سَمَاع الْمُكَاء وَالتَّصْدِيَة وَالْغِنَاء حَتَّى كَانَتْ مَزَامِير الشَّيْطَان أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ آيَات الْقُرْآن ، وَبَلَغَ مِنْهُمْ أَمَله مِنْ الْفُسُوق وَالْعِصْيَان وَلَمْ يَزَلْ أَنْصَار الْإِسْلَام وَطَوَائِف الْهُدَى يُحَذِّرُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاقْتِفَاء سَبِيلهمْ وَالْمَشْي عَلَى طَرِيقَتهمْ الْمُخَالِفَة لِإِجْمَاعِ أَئِمَّة الدِّين كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَام أَبُو بَكْر الطُّرْطُوشِيّ فِي خُطْبَة كِتَابه فِي تَحْرِيم السَّمَاع قَالَ أَمَّا مَالِك فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ الْغِنَاء وَعَنْ اِسْتِمَاعه وَقَالَ إِذَا اِشْتَرَى جَارِيَة فَوَجَدَهَا مُغَنِّيَة فَلَهُ أَنْ يَرُدّهَا بِالْعَيْبِ . وَسُئِلَ عَمَّا يُرَخِّص فِيهِ أَهْل الْمَدِينَة مِنْ الْغِنَاء ، فَقَالَ : إِنَّمَا يَفْعَلهُ عِنْدنَا الْفُسَّاق .
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة فَإِنَّهُ يَكْرَه الْغِنَاء وَيَجْعَلهُ مِنْ الذُّنُوب ، وَكَذَلِكَ مَذْهَب أَهْل الْكُوفَة سُفْيَان وَحَمَّاد وَإِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ وَغَيْرهمْ ، وَلَا نَعْلَم خِلَافًا بَيْن أَهْل الْبَصْرَة أَيْضًا فِي الْمَنْع مِنْهُ .
وَأَبُو حَنِيفَة أَشَدُّ الْأَئِمَّة قَوْلًا فِيهِ وَمَذْهَبه فِيهِ أَغْلَظ الْمَذَاهِب ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابه بِتَحْرِيمِ سَمَاع الْمَلَاهِي كُلّهَا الْمِزْمَار وَالدُّفّ حَتَّى الضَّرْب بِالْقَضِيبِ وَأَنَّهُ مَعْصِيَة يُوجِب الْفِسْق وَتُرَدّ بِهِ الشَّهَادَة ، بَلْ قَالُوا التَّلَذُّذ بِهِ كُفْر . هَذَا لَفْظهمْ . قَالُوا : وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِد فِي أَنْ لَا يَسْمَعهُ إِذَا مَرَّ بِهِ أَوْ كَانَ فِي جِوَاره .@

الصفحة 273