كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 13)

ومنها أن ثمره قد جمع نهاية المطلوب من الفاكهة من الاعتدال فلم يفرط إلى البرودة كالخوخ
وغيره ولا إلى الحرارة كالتمر بل هو في غاية الاعتدال إلى غير ذلك من فوائده
فلما كان بهذه المنزلة سموه كرما فأخبرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن الفوائد والثمرات والمنافع التي أودعها الله قلب عبده المؤمن من البر وكثرة الخير أعظم من فوائد كرم العنب فالمؤمن أولى بهذه التسمية منه
فيكون معنى الحديث على هذا النهي عن قصر اسم الكرم على شجر العنب بل المسلم أحق بهذا الاسم منه
وهذا نظير قوله صلى الله عليه و سلم ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب أي مالك نفسه أولى أن يسمى شديدا من الذي يصرع الرجال
وكقوله ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكنه الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه أي هذا أولى بأن يقال له مسكين من الطواف الذي تسمونه مسكينا
ونظيره في المفلس والرقوب وغيرهما
ونظيره قوله ليس الواصل بالمكافيء ولكنه الذي إذا قطعت رحمه وصلها وإن كان هذا ألطف من الذي قبله
وقيل في معنى وجه آخر وهو قصد النبي صلى الله عليه و سلم سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس التي يلذ لها سماعه عن هذه الشجرة التي تتخذ منها أم الخبائث فيسلبها الإسم الذي يدعو النفوس إليها ولا سيما فإن العرب قد تكون سمتها كرما لأن الخمر المتخذة منها تحث على الكرم وبذل المال فلما حرمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها وهو الكرم كما نفى اسم المدح عنها وهو الدواء فقال إنها داء وليست بدواء ومن عرف سر تأثير الأسماء في مسمياتها نقرة وميلا عرف هذا فسلبها النبي صلى الله عليه و سلم هذا الاسم الحسن وأعطاه ما هو أحق به منها وهو قلب المؤمن

الصفحة 319