كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 13)

ويؤكد المعنى الأول أن النبي صلى الله عليه و سلم شبه المسلم بالنخلة لما فيها من المنافع والفوائد حتى إنها كلها منفعة لا يذهب منها شيء بلا منفعة حتى شوكها ولا يسقط عنها لباسها وزينتها كما لا
يسقط عن المسلم زينته فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها وسعفها للسقوف وغيرها وخوصها للحصر والمكاتل والآنية وغيرها ومسدها للحبال وآلات الشد والحل وغيرها وثمرها يؤكل رطبا ويابسا ويتخذ قوتا وأدما وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر تقربا إلى الله وطهرة للصائم ويتخذ منه ما يتخذ من شراب الأعناب ويزيد عليه بأنه قوت وحده بخلاف الزبيب ونواه علف للابل التي تحمل الأثقال إلى بلد لا يبلغه الإنسان إلا بشق النفس
ويكفي فيه أن نواه يشتري به العنب فحسبك بتمر نواه ثمن لغيره
وقد اختلف الناس في العنب والنخل أيهما أفضل وأنفع واحتجت كل طائفة بما في أحدهما من المنافع
والقرآن قد قدم النخيل على الأعناب في موضع وقدم الأعناب عليها في موضع وأفرد النخيل عن الأعناب ولم يفرد العنب عن النخيل
وفصل الخطاب في المسألة أن كل واحد منهما في الموضع الذي يكثر فيه ويقل وجود الآخر أفضل وأنفع
فالنخيل بالمدينة والعراق وغيرهما أفضل وأنفع من الأعناب فيها
والأعناب في الشام ونحوها أفضل وأنفع من النخيل بها
ولا يقال فما تقولون إذا استويا في بلدة فان هذا لا يوجد لأن الأرض التي يطيب النخيل فيها ويكون سلطانه ووجوده غالبا لا يكون للعنب بها سلطان ولا تقبله تلك الأرض
وكذلك أرض العنب لا تقبل النخيل ولا يطيب فيها
الله سبحانه قد خص كل أرض بخاصية من النبات والمعدن والفواكه وغيرها فهذا موضعه أفضل وأطيب وأنفع وهذا في موضعه كذلك

الصفحة 320