كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 13)

لِغَلَبَةِ الْقُلُوب وَتَزْيِينه الْقَبِيح وَتَقْبِيحه الْحَسَن وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْإِمَام مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ فِي بَاب مَا يُكْرَه مِنْ الْكَلَام قِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبه يَكْسِب بِهِ مِنْ الْإِثْم مَا يَكْسِبهُ السَّاحِر بِعِلْمِهِ . وَقِيلَ أَوْرَدَهُ مَوْرِد الْمَدْح أَيْ أَنَّهُ تُمَال بِهِ الْقُلُوب وَيَرْضَى بِهِ السَّاخِط وَيُذِلّ بِهِ الصَّعْب ، وَيَشْهَد لَهُ أَنَّ مِنْ الشِّعْر لَحِكْمَة ، وَهَذَا لَا رَيْب فِيهِ أَنَّهُ مَدْح ، وَكَذَلِكَ مِصْرَاعه الَّذِي بِإِزَائِهِ ، وَقَالَ بَعْضهمْ فِي الِامْتِلَاء مِنْ الشِّعْر أَيّ الشِّعْر الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا الْقَوْل غَيْر مَرْضِيّ ، فَإِنَّ شَطْر الْبَيْت مِنْ ذَلِكَ يَكُون كُفْرًا فَإِذَا حُمِلَ عَلَى الِامْتِلَاء مِنْهُ فَقَدْ رُخِّصَ فِي الْقَلِيل مِنْهُ ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْمُخْتَار مَا تَقَدَّمَ اِنْتَهَى كَلَام الْمُنْذِرِيّ .
قَالَ الْمَيْدَانِيّ : إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا قَالَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين وَفَدَ عَلَيْهِ عَمْرو بْن الْأَهْتَم وَالزِّبْرِقَان بْن بَدْر وَقَيْس بْن عَاصِم فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن الْأَهْتَم عَنْ الزِّبْرِقَان فَقَالَ " عَمْرو مُطَاع فِي أُذُنَيْهِ شَدِيد الْعَارِضَة مَانِع لِمَا وَرَاء ظَهْره " ، فَقَالَ الزِّبْرِقَان يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ لِيَعْلَم مِنِّي أَكْثَر مِنْ هَذَا وَلَكِنَّهُ حَسَدَنِي ، فَقَالَ " عَمْرو أَمَا وَاَللَّه إِنَّهُ لَزَمِر الْمَرْوَة ضَيِّق الْعَطَن أَحْمَق الْوَالِد لَئِيم الْخَال " ، وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه مَا كَذَبْت فِي الْأُولَى وَلَقَدْ صَدَقْت فِي الْأُخْرَى وَلَكِنِّي رَجُل رَضِيت فَقُلْت أَحْسَن مَا عَلِمْت ، وَسَخِطْت فَقُلْت أَقْبَح مَا وَجَدْت ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا " ، يَعْنِي أَنَّ بَعْض الْبَيَان يَعْمَل عَمَل السِّحْر . وَمَعْنَى السِّحْر إِظْهَار الْبَاطِل فِي صُورَة الْحَقّ .
وَالْبَيَان اِجْتِمَاع الْفَصَاحَة وَالْبَلَاغَة وَذَكَاء الْقَلْب مَعَ اللَّسِن وَإِنَّمَا شُبِّهَ @

الصفحة 352