كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 13)

بِالسِّحْرِ لِحِدَّةِ عَمَله فِي سَامِعه وَسُرْعَة قَبُول الْقَلْب لَهُ يُضْرَب فِي اِسْتِحْسَان الْمَنْطِق وَإِيرَاد الْحُجَّة الْبَالِغَة اِنْتَهَى كَلَامه .
وَقَالَ الْإِمَام أَبُو هِلَال الْعَسْكَرِيّ : أَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَمَّ الْبَيَان أَمْ مَدَحَهُ ، فَقَالَ بَعْض ذَمّه لِأَنَّ السِّحْر تَمْوِيه فَقَالَ إِنَّ مِنْ الْبَيَان مَا يُمَوِّه الْبَاطِل حَتَّى يَتَشَبَّه بِالْحَقِّ ، وَقَالَ بَعْض بَلْ مَدَحَهُ لِأَنَّ الْبَيَان مِنْ الْفَهْم وَالذَّكَاء . قَالَ أَبُو هِلَال : الصَّحِيح أَنَّهُ مَدَحَهُ ، وَتَسْمِيَته إِيَّاهُ سِحْرًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة التَّعَجُّب مِنْهُ لَمَّا ذَمَّ عَمْرو الزِّبْرِقَان وَمَدَحَهُ فِي حَالَة وَاحِدَة وَصَدَقَ فِي مَدْحه وَذَمّه فِيمَا ذُكِرَ عَجِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَعْجَب مِنْ السِّحْر ، فَسَمَّاهُ سِحْرًا مِنْ هَذَا الْوَجْه اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا .
قَالَ النَّوَوِيّ : أَنْ يَكُون الشِّعْر غَالِبًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَلهُ عَنْ الْقُرْآن وَغَيْره مِنْ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فَهُوَ مَذْمُوم ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآن وَالْحَدِيث وَغَيْرهمَا مِنْ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَهُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ فَلَا يَضُرّ حِفْظ الْيَسِير مَعَ هَذَا لِأَنَّ جَوْفه لَيْسَ مُمْتَلِئًا شِعْرًا اِنْتَهَى مُلَخَّصًا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد الْبَكْرِيّ الْأَنْدَلُسِيّ فِي شَرْح كِتَاب الْأَمْثَال لِلْحَافِظِ أَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّامٍ : النَّاس يَتَلَقَّوْنَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ فِي مَدْح الْبَيَان وَأَدْرَجُوا فِي كُتُبهمْ هَذَا التَّأْوِيل ، وَتَلَقَّاهُ الْعُلَمَاء عَلَى غَيْر ذَلِكَ ، بَوَّبَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَلَيْهِ بَاب مَا يُكْرَه مِنْ الْكَلَام فَحَمَلَهُ عَلَى الذَّمّ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَأْوِيله ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ سَمَّى السِّحْر فَسَادًا فِي قَوْله تَعَالَى { مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْر إِنَّ اللَّه سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّه لَا يُصْلِح عَمَل الْمُفْسِدِينَ } اِنْتَهَى . قَالَ السُّيُوطِيُّ : وَهُوَ ظَاهِر صَنِيع أَبِي دَاوُدَ . قُلْت : فَإِنْ كَانَ الْبَيَان فِي أَمْر بَاطِل فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَمَدْح لَا مَحَالَة وَاَللَّه أَعْلَم .@

الصفحة 353