كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 13)

ألا ترى أن الله عز و جل ذكر السموات فقال وجعل القمر فهن نورا ولم يرد أن القمر يملؤهن جميعا
ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السموات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا نحو الأرض
ثم قال
فصل وقد قال قائلون من المعتزله والجهمية والحرورية
إن معنى قوله الرحمن على العرش استوى أنه استولى وملك وقهر وأن الله
في كل مكان وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق
وذهبوا في الاستواء إلى القدرة
ولو كان هذا كما قالوا لكان لا فرق بين العرش والأرض السابعة لأن الله قادر على كل شيء
والأرض فالله قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم فالله تعالى لو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء فهو علا وعز مستو على الأشياء كلها على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش وعلى الأقذار تعالى الله لأنه قادر على الأشياء كلها مستول عليها وإذا كان قادرا على الأشياء كلها ولم يجز عند أحد من المسلمين أن الله مستو على الحشوش والأخلية لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها
ووجب أن يكون معنى الاستواء على العرش معنى يختص العرش دون الأشياء كلها
ثم ذكر دلالات القرآن والحديث والعقل والإجماع
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري في كتاب الإبانة له أيضا فإن قال قائل أتقولون إنه في كل مكان
قيل له معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال الرحمن على العرش استوى وقال إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض
قال ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها مالم يكن

الصفحة 49