كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 14)

وَقَالَ فِي النِّهَايَة : قِيلَ أَرَادَ بِهِ سِدْرَ مَكَّةَ لِأَنَّهَا حَرَمٌ ، وَقِيلَ سِدْر الْمَدِينَة نَهَى عَنْ قَطْعِهِ لِيَكُونَ أُنْسًا وَظِلًّا لِمَنْ يُهَاجِرُ إِلَيْهَا .
وَقِيلَ أَرَادَ السِّدْرَ الَّذِي يَكُون فِي الْفَلَاة يَسْتَظِلّ بِهِ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ وَالْحَيَوَانُ أَوْ فِي مِلْك إِنْسَان فَيَتَحَامَل عَلَيْهِ ظَالِمٌ فَيَقْطَعُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَمَعَ هَذَا فَالْحَدِيثُ مُضْطَرِبُ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ أَكْثَر مَا يُرْوَى عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَكَانَ هُوَ يَقْطَعُ السِّدْرَ وَيَتَّخِذ مِنْهُ أَبْوَابًا .
قَالَ هِشَام : وَهَذِهِ أَبْوَاب مِنْ سِدْر قَطَعَهُ أَبِي وَأَهْل الْعِلْم مُجْمِعُونَ عَلَى إِبَاحَة قَطْعِهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ اِنْتَهَى . وَفِي مِرْقَاة الصُّعُودِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنه قَالَ أَبُو ثَوْر سَأَلْت أَبَا عَبْد اللَّه الشَّافِعِيَّ عَنْ قَطْع السِّدْر فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ ، قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " اِغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ " .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : فَيَكُون مَحْمُولًا عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ .
قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عُرْوَة أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعهُ مِنْ أَرْضه وَهُوَ أَحَد رُوَاة النَّهْيِ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُون النَّهْيُ خَاصًّا كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ .
وَفِي كِتَاب أَبِي سُلَيْمَان الْخَطَّابِيّ أَنَّ الْمُزَنِيَّ سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ وَجْهُهُ أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّنْ هَجَمَ عَلَى قَطْع سِدْرٍ لِقَوْمٍ أَوْ لِيَتِيمٍ أَوْ لِمَنْ حَرَّمَ اللَّه أَنْ يُقْطَع عَلَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ بِقَطْعِهِ ، فَاسْتَحَقَّ مَا قَالَهُ ، فَتَكُون الْمَسْأَلَةُ سَبَقَتْ السَّامِعَ فَسَمِعَ الْجَوَابَ وَلَمْ يَسْمَعْ السُّؤَالَ ، وَجَعَلَ نَظِيرَهُ حَدِيث أُسَامَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ " وَقَدْ قَالَ " لَا تَبِيعُنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ " .
وَاحْتَجَّ الْمُزَنِيُّ بِمَا اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيّ مِنْ إِجَازَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغْسَلَ @

الصفحة 153