كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 14)

4579 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( مَنْ قَتَلَ وَزَغَة )
: بِفَتَحَاتٍ .
قَالَ الشَّيْخ عِزُّ الدِّين بْن عَبْد السَّلَام فِي أَمَالِيهِ : الضَّرْبَة الْأُولَى مُعَلَّل إِمَّا لِأَنَّهُ حِين قَتَلَ أَحْسَنَ فَيَنْدَرِج تَحْت قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْإِحْسَان عَلَى كُلّ شَيْء ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة " أَوْ يَكُون مُعَلَّلًا بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخَيْر ، فَيَنْدَرِج فِي قَوْله تَعَالَى : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } وَعَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ يَكُون الْحَيَّة أَوْلَى بِذَلِكَ وَالْعَقْرَب لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهِمَا اِنْتَهَى .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَر : الْأَجْر فِي التَّكَالِيف عَلَى قَدْر النَّصَبِ إِذَا اِتَّحَدَ النَّوْع اِحْتِرَازًا عَنْ اِخْتِلَافه كَالتَّصَدُّقِ بِكُلِّ مَال الْإِنْسَان ، وَشَذَّ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَزَغَة " مَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّة الْأُولَى فَلَهُ مِائَة حَسَنَة ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّانِيَة فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَة " فَقَدْ صَارَ كُلَّمَا كَثُرَتْ الْمَشَقَّةُ قَلَّ الْأَجْر ، وَالسَّبَب فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَجْر إِنَّمَا هُوَ مُتَرَتِّب عَلَى تَفَاوُت الْمَصَالِح لَا عَلَى تَفَاوُت الْمَشَاقّ ، لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَطْلُب مِنْ عِبَاده الْمَشَقَّة وَالْعَنَاء وَإِنَّمَا طَلَبَ جَلْبَ الْمَصَالِحِ وَدَفْع الْمَفَاسِد ، وَإِنَّمَا قَالَ أَفْضَل الْعِبَادَة أَحَمْزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا وَأَجْرك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك ، لِأَنَّ الْفِعْل إِذَا لَمْ يَكُنْ شَاقًّا كَانَ حَظّ النَّفْس فِيهِ كَثِيرًا فَيَقِلُّ الْإِخْلَاصُ ، فَإِذَا كَثُرَتْ الْمَشَقَّة كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ جُعِل خَالِصًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَالثَّوَاب فِي الْحَقِيقَة مُرَتَّبٌ عَلَى مَرَاتِب الْإِخْلَاص لَا عَلَى مَرَاتِب الْمَشَقَّة . وَقِيلَ إِنَّ الْوَزَغَة كَانَتْ يَوْم رُمِيَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي النَّار تُضْرِم النَّار عَلَيْهِ بِنَفْخِهَا وَالْحَيَوَانَات كُلّهَا تَتَسَبَّبُ فِي طَفْئِهَا كَذَا فِي مِرْقَاة الصُّعُود
( فِي أَوَّل ضَرْبَة فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة )
: وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " كُتِبَتْ لَهُ مِائَة حَسَنَة " وَسَبَب تَكْثِير @

الصفحة 174