كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 14)

حَلَّ لَك دَفْعه عَنْ نَفْسك وَلَا أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه أَعْظَم حُرْمَةً مِنْ الْمُؤْمِن ، وَقَدْ أُبِيحَ لَك دَفْعُهُ عَنْك بِضَرْبٍ أَوْ قَتْل عَلَى مَاله مِنْ الْمِقْدَار ، فَكَيْف بِالْهَوَامِّ وَالدَّوَابّ الَّتِي قَدْ سُخِّرَتْ لِلْمُؤْمِنِ وَسُلِّطَ عَلَيْهَا وَسُلِّطَتْ عَلَيْهِ ، فَإِذَا آذَتْهُ أُبِيحَ لَهُ قَتْلهَا .
وَقَوْله فَهَلَّا نَمْلَة وَاحِدَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي يُقْتَل ، وَكُلّ قَتْل كَانَ لِنَفْعٍ أَوْ دَفْع ضُرّ فَلَا بَأْس بِهِ عِنْد الْعُلَمَاء ، وَلَمْ يَخُصّ تِلْكَ النَّمْلَة الَّتِي لَدَغَتْهُ مِنْ غَيْرهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد الْقِصَاص لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ فَهَلَّا نَمْلَتك الَّتِي لَدَغَتْك وَلَكِنْ قَالَ فَهَلَّا نَمْلَة ، فَكَأَنَّ نَمْلَة تَعُمّ الْبَرِيء وَالْجَانِي ، وَذَلِك لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ تَنْبِيهَهُ لِمَسْأَلَةِ رَبّه تَعَالَى فِي عَذَاب أَهْل قَرْيَة فِيهِمْ الْمُطِيع وَالْعَاصِي .
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فِي شَرْع هَذَا النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَتْ الْعُقُوبَة لِلْحَيَوَانِ بِالتَّحْرِيقِ جَائِزَة فَلِذَلِكَ إِنَّمَا عَاتَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي إِحْرَاق الْكَثِير لَا فِي أَصْل الْإِحْرَاق ، أَلَا تَرَى قَوْله فَهَلَّا نَمْلَة وَاحِدَة وَهُوَ بِخِلَافِ شَرْعِنَا ، فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَعْذِيب الْحَيَوَان بِالنَّارِ وَقَالَ " لَا يُعَذِّب بِالنَّارِ إِلَّا اللَّه تَعَالَى " فَلَا يَجُوز إِحْرَاق الْحَيَوَان بِالنَّارِ إِلَّا إِذَا أَحْرَقَ إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ فَلِوَارِثِهِ الِاقْتِصَاص بِالْإِحْرَاقِ لِلْجَانِي اِنْتَهَى كَلَام الْعَلَّامَة الدَّمِيرِيّ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
4583 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ )
: بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّة ، وَيَجُوز الرَّفْع بِتَقْدِيرِ أَحَدهَا وَثَانِيهَا ، وَيَجُوز النَّصْب بِتَقْدِيرِ أَعْنِي .@

الصفحة 178