كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 14)

الْإِيذَاءِ مَعْنَاهُ يُعَامِلُنِي مُعَامَلَةً تُوجِبُ الْأَذَى فِي حَقِّكِمْ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
( يَسُبُّ الدَّهْرَ )
: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ الْقَارِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ : كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تُضِيفُ الْمَصَائِبَ وَالنَّوَائِبَ إِلَى الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ لَا تُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَعْرِفُ إِلَّا الدَّهْرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ اللَّذَانِ هُمَا مَحَلٌّ لِلْحَوَادِثِ وَظَرْفٌ لِمَسَاقِطِ الْأَقْدَارِ فَتَنْسُبُ الْمَكَارِهَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا مُدَبِّرًا غَيْرَهُ ، وَهَذِهِ الفِرْقَةُ هِيَ الدَّهْرِيَّةُ الَّذِين حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ { وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } الْآيَةَ ، وَفِرْقَةٌ تَعْرِفُ الْخَالِقَ وَتُنَزِّهُهُ مِنْ أَنْ تَنْسُبَ إِلَيْهِ الْمَكَارِهَ فَتُضِيفُهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالزَّمَانِ ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَانُوا يَسُبُّونَ الدَّهْرَ وَيَذُمُّونَهُ فَيَقُولُ الْقَائِلُ مِنْهُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ وَيَا بُؤْسَ الدَّهْرِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مُبْطِلًا ذَلِكَ " لَا يَسُبَّنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْر ُ" يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ عَلَى أَنَّه الْفَاعِلُ لِهَذَا الصَّنِيعِ بِكُمْ فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِل لَهُ ، فَإِذَا سَبَبْتُمْ الَّذِي أَنْزَلَ بِكُمْ الْمَكَارِهَ رَجَعَ السَّبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِ انْتَهَى .
( وَأَنَا الدَّهْرُ )
: قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّا مَلِكُ الدَّهْرِ وَمُصَرِّفُهُ فَحُذِفَ اخْتِصَارًا لِلَّفْظِ وَاتِّسَاعًا فِي الْمَعْنَى .
وَقَالَ غَيْرُهُ : مَعْنَى قَوْلِهِ " وَأَنَا الدَّهْرُ " أَيْ الْمُدَبِّرُ أَوْ صَاحِبُ الدَّهْرِ أَوْ مُقَلِّبُهُ أَوْ مُصَرِّفُهُ ، وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ بِيَدِي الْأَمْرُ .
وَيُرْوَى بِنَصْبِ الدَّهْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَا بَاقٍ أَوْ ثَابِتٌ فِي الدَّهْر .
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ " فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ " أَنَا الدَّهْرُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أُوجِدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ " انْتَهَى . وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الدَّهْرَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ : قَوْلُهُ " وَأَنَا الدَّهْرُ " فَإِنَّهُ بِرَفْعِ الرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ @

الصفحة 192