كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 14)

الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيّ : إِنَّمَا هُوَ الدَّهْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ أَنَا مُدَّةَ الدَّهْرِ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ .
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَقَالَ النَّحَّاسُ : يَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ بَاقٍ مُقِيمٌ أَبَدًا لَا يَزُولُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ وَالظَّرْفُ أَصَحُّ وَأَصْوَبُ . وَأَمَّا رِوَايَةُ الرَّفْعِ وَهِيَ الصَّوَابُ فَمُوَافِقَةٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَهُوَ مَجَازٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَسُبَّ الدَّهْرَ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَالْمَصَائِبِ النَّازِلَةِ بِهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَيَقُولُونَ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ وَنَحْوَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ سَبِّ الدَّهْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ " أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِلَ النَّوَازِلِ فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَهُا وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلُهَا وَمُنَزِّلُهَا وَأَمَّا الدَّهْرُ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ فَلَا فِعْلَ لَهُ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى . وَمَعْنَى فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ أَيْ فَاعِلُ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَخَالِقُ الْكَائِنَاتِ انْتَهَى كَلَامُهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَسُبُّ ابْن آدَمَ الدَّهْرَ وأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ " .
وَفِي رِوَايَةٍ " قَالَ اللَّهُ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وأَنَّا الدَّهْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " رَجُلَانِ
وَفِي رِوَايَةٍ " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ@

الصفحة 193