كتاب العقيدة الواسطية بتعليق ابن مانع

عليه وسلم: (اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء خالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر) رواة مسلم. وقوله لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق عليه. وقوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) متفق عليه. إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه بما يخبر به فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك (¬1)
كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل هم الوسط في فرقة الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى: بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة (¬2):
¬_________
(¬1) قال ابن عدوان النجدي المتوفى سنة 1179:
وسلم لأخبار الصحيحين يا فتى ... ولكن عن التمثيل وفقت أبعد
ودع عنك تزويقات قوم فإنها ... بحلتها التعطيل يا صاح ترشد
(¬2) قوله: بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل المشبهة: التعطيل هو نفي الصفات الإلهية، عن القيام بالذات العلية وتأويلها بلا دليل صحيح، ولا عقل صريح كقولهم رحمة الله إرادته الإحسان والإنعام، ويده قدرته، واستواؤه على العرش، استيلاؤه عليه كل هذا وأمثاله من التعطيل، وما حملهم على ذلك إلا الظن الفاسد، والرأي الكاسد، ولقد أحسن القائل حيث يقول:
وقصارى أمر من أو ... ل أن ظنوا ظنونا
فيقولون على الر ... حمن ما لا يعلمونا
والجهمية المعطلة، هم أتباع الجهم بن صفوان الترمذي. رأس الفتنة والضلال، وهم في هذا الباب طائفتان، نفاه ومثبتة، فالنفاه قالوا: لا ندري أين الله، فلا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل ولا منفصل، فلم يؤمنوا بقول الله، وهو القاهر فوق عباده وقول النبي للجارية: أين الله، وغير ذلك من أدلة الكتاب والسنة، وأما المثبتة من فرقتي الضلال، فهم الذين يقولون: إن الله في كل مكان تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فإنه سبحانه فوق مخلوقاته، مستو على عرشه بائن من خلقه، وأما أهل التمثيل المشبهة، فهم الذين شبهوا الله بخلقه ومثلوه بعباده، وقد رد الله على الطائفتين بقوله (ليس كمثله شيء) فهذا يرد على المشبهة وقوله: (وهو السميع البصير) يرد على المعطلة، وأما أهل الحق، فهم الذين يثبتون الصفات لله تعالى، إثباتاً بلا تمثيل، وينزهونه عن مشابهة المخلوقات تنزيهاً بلا تعطيل.

الصفحة 13