كتاب ماهية العقل ومعناه واختلاف الناس فيه

فعقل كَثْرَة ذنُوبه وَسُوء رَغْبَة نَفسه ودناءة همته وَعَجِيب جَهله إِذْ كَانَ قد آثر على رِضَاهُ من العبيد مَا لَا معنى لَهُم فِي دنيا وَلَا آخِرَة بِملك وَلَا نفع وَلَا ضرّ وإيثاره من الدُّنْيَا المكدر المنغص الفاني مِنْهُ والفاني هُوَ عَنهُ وَالْبَاقِي عَلَيْهِ بعد فنائه شدَّة الْحساب وعظيم السُّؤَال عَنهُ ثمَّ لَا يَأْمَن من سخط الله فِي الْآخِرَة على ذَلِك أَن يحل بِهِ
فَلَمَّا عقل عَن الله عز وَجل جَمِيع ذَلِك من نَفسه وتستر عَنهُ عَامَّة ذنُوب الْخلق وحقت عَلَيْهِم الْحجَّة بِدُونِ مَا وَجَبت من الله عز وَجل من أجل الْعلم الَّذِي استودعه والستر عَلَيْهِ لذنوبه وَمَا حببه إِلَى عباده لم يَأْمَن أَن يكون استدراجا لَهُ وَأَنه وكل بالخوف على نَفسه قبل غَيره وَأَنه لَا يَأْمَن لسالف ذنُوبه وتضييع شكر نعم ربه وعظيم مَا لزمَه من الْحجَّة وَأَن يخْتم لَهُ بِغَيْر دين الْإِسْلَام أَو بعظيم الذُّنُوب مَعَ الْإِيمَان فَلم تقع عينه على أحد وَلم يستمع بِهِ من الْمُسلمين إِلَّا خَافَ أَن ينجوا وَيهْلك هُوَ دونه يكسر قلبه من يرى من أهل الطَّاعَات وَيقطع عَلَيْهِ أَنه خير مِنْهُ ويتمنى أَن يكون مثله ويهيج عَلَيْهِ الْخَوْف من قلبه من رَآهُ دونه فِي الدّين يخَاف أَن يهْلك هُوَ دونه أَو يخْتم لَهُ

الصفحة 230