كتاب آراء القرطبي والمازري الاعتقادية

"لما وصلت إلى تونس قاصدًا إلى الحج سمعت أخبارًا سيئة عن البلاد المصرية، من جهة العدو الذي غلب على دمياط، فعزمت على المُقام بتونس إلى أن ينجلي أمر العدو، فجدد الله عزمًا وأزال عني ما كنت أتخوفه من أمر العدو، وسافرت إلى أن وصلت إلى الإسكندرية، فوجدتها والديار المصرية على أشد خوف وأعظم كرب، والعدو قد استفحل أمره، وعظمت شوكته، فلم أكمل في الإسكندرية عشرة أيام حتى كسر الله العدو، ومكَّن منه من غير صنع أحد من المخلوقين، بل
---------------
= أبا الخيل في كتابه "جهود علماء الأندلس في الصراع مع النصارى" أن كلام القرطبي هنا سنة (٦٤٧ هـ)، ورجح الدكتور عبد الوهاب الطريري في تحقيقه للمفهم أن هذا سنة (٦١٧ هـ)، وهو الذي يترجح عندي لأسباب، منها: أن قرطبة ساءت أحوالها فخرج عامة أهلها خصوصًا العلماء وطلبة العلم، خوفًا على أنفسهم من تسلُّط النصارى، خصوصًا بعد سقوط قرطبة سنة (٦٣٣ هـ)، وكان فيمن خرج أبو عبد الله القرطبي المفسر، وأبو القاسم أخو أبي العباس القرطبي، قال أبو عبد الله القرطبي: "ولقد أخبرني صاحبنا أبو القاسم رحمه الله أخو شيخنا أبي العباس أحمد بن عمر رحمه الله أنه ربط نحوًا من خمسين امرأة واحدة بعد الأخرى حتى خرجوا من قرطبة أعادها الله". التذكرة (٧٢٤)، وقد أُسر عدد من العلماء في قرطبة حينما تغلب النصارى عليها، فمن المستبعد أن يمكث أبو العباس فيها خمسة عشر عامًا بعد سقوطها وهو الذي تصدى للنصارى باللسان والسنان، وقد ألَّف كتابه القيم "الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام" ولو بقي لامتدت إليه يد الحقد، كما امتدت إلى غيره من العلماء. إضافة إلى أن أبا العباس من خلال الوقوف على سيرته وعلى أسماء شيوخه يتضح أنه قد أخذ منهم في مصر بعد استقراره فيها ولا يكون ذلك إذا كان استيطانه فيها بعد (٦٤٨ هـ) حيث جاوز غالبًا سن الطلب، فقد بلغ السبعين سنة إضافة إلى قصر المدة التي بقيها في مصر على هذا الرأي حيث تكون أقل من تسع سنوات، وهذه مدة قصيرة لا يتسنى خلالها قراءة التلاميذ عليه، وانتشار علمه، وذياع صيته، ولم يذكر له جلوس للتدريس في قرطبة ويبعد أن يبلغ هذا السن في قرطبة وليس له تلاميذ فيها. فالذي يترجح عندي أن وصف هذا الحال لدمياط يعود إلى استيلاء الإفرنج الأول عليها، وانكسارهم سنة (٦١٧ هـ) هو الموافق لحاله وسيرته والله تعالى أعلم.

الصفحة 95