كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

الأنصار ويفضلونهم من وجوه:
أولها: أنهم هم السابقون في الإيمان الذي هو رئيس الفضائل وعنوان المناقب.
وثانيها: أنهم تحملوا العناء والمشقة دهراً دهيراً، وزماناً مديداً من كفار قريش وصبروا عليه وهذه الحال ما حصلت للأنصار.
وثالثها: أنهم تحملوا المضار الناشئة من مفارقة الأوطان والأهل والجيران ولم يحصل ذلك للأنصار.
ورابعها: أن فتح الباب في قبول الدين والشريعة من الرسول عليه الصلاة والسلام إنما حصل من المهاجرين، والأنصار اقتدوا بهم وتشبهوا بهم وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"1. فوجب أن يكون المقتدي أقل مرتبة من المقتدى به فجملة هذه الأحوال توجب تقديم المهاجرين الأولين على الأنصار في الفضل والدرجة والمنقبة ولهذا نجد القرآن الكريم كلما تعرض لذكر المهاجرين والأنصار قدم المهاجرين على الأنصار2.
وإلى ما جاء في فضل المهاجرين الأولين رضي الله عنهم وقبل أن نذكر طائفة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في بيان فضل المهاجرين نسبق ذلك ببيان المراد "بالهجرة" فنقول:
أصل الهجرة: الترك والمراد ترك الوطن3 والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع ترك ما نهى الله عنه، وقد وقعت في الإسلام على وجهين:
__________
1ـ رواه أحمد في المسند 4/353، من حديث جرير بن عبد الله عن أبيه.
2ـ التفسير الكبير للفخر الرازي 15/209.
3ـ شرح النووي على صحيح مسلم 13/54-55، وانظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز 5/304، لسان العرب 5/250 وما بعدها.

الصفحة 124